بتنظيم من هيئة الثقافة والفنون في دبي يستمر حتى الثلاثين من يونيو القادم معرض “عالم بانكسي” الذي يتضمن أكثر من مئة عمل فني من أعمال واحد من أشهر فناني الغرافيتي في العالم، موزّعة على مساحة ألف وخمس مئة متر مربع في مركز الفنون داخل مول الإمارات بدبي، حيث تم تجديدها بالكامل وتخصيصها لهذا الحدث.
وتأتي شراكة الهيئة مع مول الإمارات في تنظيم هذا المعرض ضمن إطار جهود “دبي للثقافة” في تحقيق أحد المحاور القطاعية لخارطة طريقها الإستراتيجية، والمتمثل في جعل الثقافة في كل مكان وللجميع.
وتتيح اللوحات الجدارية المعروضة على المنصة الفرصة أمام الزوار لإعادة اكتشاف أشهر الأعمال الفنية لهذا الفنان الذي تغطي أعماله الكثير من جدران الشوارع في أكبر مدن العالم وعواصمه، ومن أبرزها “فتاة البالون” و”رامي الزهور” و”عشاق الموبايل”، إلى جانب العديد من الأعمال الأخرى.
الأعمال التي غطت جدران الشوارع العالمية تزيّن مركز الفنون بدبي
ونظرا للنجاح الذي حقّقه معرض “عالم بانكسي” في خمس من المدن الأوروبية الرئيسية، حيث استقطبت نسخه باريس وبرشلونة وبراغ وميلانو وبروكسل أكثر من 500 ألف زائر، تقرّر أن يستمر المعرض في دبي على مدى ثلاثة أشهر تمتد من تاريخ انطلاقه في الخامس من أبريل الماضي ليختتم عروضه في الثلاثين من يونيو القادم، مع إمكانية تمديده لفترة إضافية.
ومنذ لحظة انطلاقه وحتى اليوم يواصل المعرض جذب الزوار على مدار أيام الأسبوع من الساعة 12 ظهرا حتى منتصف الليل، باستثناء شهر رمضان الماضي، حيث تم تعديل توقيته بما يتناسب مع طقوس الشهر، ومن ثمة عاد العمل بالتوقيت ذاته مع أول أيام عيد الفطر.
وتؤكّد دبي للثقافة أن المعرض لا زال غنيّا بالكثير من الفعاليات والعروض التي من شأنها أن تقدّم تجربة مميّزة للزوّار من مختلف الفئات والأعمار، وعلى مدار الفترة المقبلة.
ويشتهر بانكسي، الذي يطلق على نفسه هذا الاسم ولا تعرف هويته الحقيقية، برسوم جدارية ساخرة في الهواء الطلق لها موضوعات سياسية منها رسوم على الجدار العازل الذي بنته إسرائيل بالضفة الغربية المحتلة ودمية هوائية بالحجم الطبيعي في هيئة أحد معتقلي خليج غوانتانامو وضعها في أحد متنزهات ديزني لاند.
“فتاة البالون” واحدة من أشهر أعمال بانكسي الجدارية
ويعتقد الكثيرون أن بانكسي رجل في الأربعين من عمره من بريستول بإنجلترا. ويؤكّدون أن اسمه الحقيقي روب، وذلك بعد الحملة الترويجية التي دشّنها منسق الأسطوانات (الدي.جي) الشهير جولدي في إحدى الحفلات حينما قال “أعتقد أنه فنان رائع”، ليفتح بذلك الباب أمام تخمينات أخرى أن اسمه قد يكون روب ديل ناجا أو روبين جانينجام.
والأول من برستول وهو مطرب بفريق “ماسيف أتاك” (هجوم عنيف). وفي 2016 قام الصحافي الفني كريج ويليامز بعمل ريبورتاج صحافي نشره على مدونته جمع فيه البراهين المزعومة التي تؤكّد فرضية أن ديل ناجا هو بانكسي، زاعما وجود رابط بين تواريخ جولات فريق “هجوم عنيف”، وظهور جداريات بانكسي في جميع أنحاء العالم.
ففي مايو 2010 ظهرت ست لوحات غرافيتي لبانكسي في سان فرنسيسكو بعد يومين من حفل للفرقة بالولاية. كما عثر ويليامز على أدلة على بصمة بانكسي والصلة بينه وبين الفريق الغنائي في تورنتو، حيث عزف روبرت ديل ناجا في المدينة الكندية يومي 7 و9 مايو 2010. وفي التاسع من الشهر نفسه عُثر على لوحات جديدة لبانكسي.
مئة عمل فني وأكثر
ويقدّم ويليامز قائمة طويلة تعطي لمن يقرؤها دافعا قويا للاعتقاد بصحة مزاعمه حول شخصية بانكسي. ولكن ديل ناجا نفسه يرفض هذه الشائعات، حيث أكّد في تصريح لصحيفة الديلي ميل أنه كان صديقا لبانكسي، ولكنه ليس هو.
أما الشخص الثاني المشكوك فيه فهو روبن جانينجام، وهو بالفعل فنان شارع، وقادم أيضا من بريستول، وكانت صحيفة الديلي ميل قد أكّدت عام 2008 أن جانينجام هو بانكسي، ولكن بعد ثماني سنوات، أثبت باحثون من جامعة كوين ماري بلندن هذه المزاعم من خلال دراسة اعتمدوا فيها على تقنيات علم الجريمة، حيث صمّموا تخطيطا بيانيا لتقفّي أثر بانكسي من الأعمال والأماكن التي يظهر بها جانينجام.
وفي تصريح للإذاعة البريطانية بي.بي.سي قال ستيف لو كومبر أحد أعضاء فريق البحث وأحد خبراء فن الشوارع “سوف يصدمني ألاّ يكون هو”، نظرا إلى أن اعتقاده في مصداقية الأدلة يصل إلى 75 في المئة، على الرغم من إصرار جانينجام على الرفض التام لهذه المزاعم، فضلا عن أن بانكسي يوقّع كتبه وأعماله الفنية دائما باسم روبن بانكسي.
وانطلاقا من أن أيا من النظريتين لم تتمكّن من إثبات هوية الفنان بصورة قاطعة، استمر ظهور المزيد من الفرضيات، حيث شهد العام 2010 تقديم فيلم وثائقي عن بانكسي بعنوان “الخروج عبر محل الهدايا”، وقد رشّح للحصول على الأوسكار، والعمل محاكاة ساخرة تدور حول إعادة نسخ الأعمال الفنية وتدني الإبداع لصالح الربح التجاري.
ويتوافق مع آراء بانكسي الفنان الفرنسي تييري جيتا، الذي اعتاد التعبير عن توجهاته من خلال لوحات غرافيتي على جدران مدينة لوس أنجلس موقعا باسم مستعار هو “السيد غسيل مخ”. ونظرا للتشابه الكبير بين توجهات أعمالهما انتشرت شائعات قوية أن بانكسي هو نفسه جيتا، ولكن يرى البعض أن هذه الفرضية مجرّد عبث.
وهناك فرضية أخرى تقول أن بانكسي ليس رجلا أصلا، بل سيدة تقود جماعة من الفنانين المتمردين، وهذا على الأقل ما يؤكّده الفيلم الوثائقي “بانكسي يرسم نيويورك” إنتاج 2014، استنادا إلى أن أعمال بانكسي تقدّم نوعا من النقد الاجتماعي القوي وتحرّض على العدالة الاجتماعية على كافة المستويات، فضلا عن الحضور القوي للأطفال في كل إبداعاته.
"عالم بانكسي" يحل ضيفا على مركز الفنون بدبي، بعد جولة عالمية بباريس وبرشلونة وبراغ وميلانو وبروكسل
ويرى عشاق بانكسي بأن رغبته في البقاء مجهولا هي مصدر قوته، حيث يحتج الكثيرون الآن بنشاط على أي محاولات تُبذل للكشف عن هويته، قائلين “في اليوم الذي نعرف فيه من هو حقا، ستنتهي ظاهرة الرسم على الجدران”.
والثابت أن بانكسي رسام يزور مناطق دون أن يتوقّع أحد وجوده ويرحل دون أن يكشف عن هويته، وهو فنان ينتصر للمظلومين والمستضعفين في كل مكان من لوس أنجلس إلى غزة.
وإلى جانب لوحات بانكسي المعروضة في مول الإمارات بدبي، يُشارك أربعة فنانين شباب من خريجي الفنون الجميلة والبصرية في عرض أعمالهم الفنية كجزء من المعرض.
كما يستضيف معرضا للصور الفوتوغرافية للفنان البلجيكي المعروف فيليب بيرنارتس الذي يعرض سلسلة من الصور الوثائقية التي تمثل أجواء الشارع والمدينة. وتأخذ هذه السلسلة التي تُعرض للمرة الأولى زوار المعرض في رحلة من مدينة إلى أخرى، ليشكّلوا انطباعات عن حياة المدينة في شتى أنحاء العالم. علاوة على ذلك، وفي تجربة هي الأولى للمصوّر الشهير، فقد عمل بيرنارتس على مشروع تصوير فوتوغرافي مخصّص لمدينة دبي، يُعرض للمرة الأولى خلال أيام المعرض.