استدعت النمسا السفير التركي إلى مقر وزارة الخارجية في فيينا للاحتجاج عقب انتقادات حادة من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصف فيه الحكومة النمساوية بـ”اللعينة” على خلفية رفعها للعلم الإسرائيلي على مبانيها في خضم المواجهة العسكرية مع حركة حماس في قطاع غزة.
وقال وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالنبرغ الثلاثاء “ادعاءات الرئيس التركي بديهية. نزاع الشرق الأوسط لن يُحل بالغضب”.
وكان أردوغان أدان تضامن الحكومة النمساوية مع إسرائيل في النزاع مع حركة حماس الإسلامية، وقال الاثنين “ألعن الدولة النمساوية التي تحاول تحميل المسلمين قيمة فواتير اليهود الذين ارتكبت بحقهم إبادات جماعية”.
رجب طيب أردوغان: ألعن النمسا التي تحمل المسلمين قيمة فواتير اليهود وأدانت الحكومة النمساوية الهجمات من غزة على إسرائيل الجمعة الماضي ورفعوا الأعلام الإسرائيلية على مقر المستشارية ووزارة الخارجية في فيينا كإشارة على التضامن. وبررت فيينا ذلك بموقفها الحازم تجاه الإرهاب.
ويرى مراقبون في مهاجمة أردوغان للنمسا تحديدا دون غيرها من الدول الأوروبية التي اتخذت خطوات تضامنية مع إسرائيل ووصفت حربها على غزة بالدفاع عن النفس، بالخطوة المدروسة والمبنية على خصومات سابقة.
ودأب الرئيس التركي على توظيف الملف الفلسطيني الإسرائيلي إقليميا ودوليا من أجل خدمة أجنداته السياسية.وإقليميا يقدم أردوغان نفسه على أنه “حامي المسلمين”، خاصة وإن تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، إذ دعا هذه المرة إلى إرسال قوات للقدس، في دعوة وصفها محللون بالضجيج لا أكثر.
وأما دوليا يذكر استهداف النمسا هذه المرة على خلفية الصراع في غزة باستهدافه في وقت سابق الرئيس الفرنسي ماكرون على خلفية خطته لمواجهة التطرف الإسلامي، حيث يرى مراقبون أن استهداف النمسا كما باريس لا يعدو أن يكون حملة لتصفية الحسابات السياسية مع خصومه الأوروبيين، إذ أن العاصمتين من أبرز المناوئين للأجندات التركية.
وتوترت العلاقات بين النمسا وتركيا بسبب رفض المستشار النمساوي المحافظ مساعي انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي إلى جانب حزمه أسوة بفرنسا في تحجيم نفوذ أردوغان على الجالية التركية الكبيرة في فيينا.
وتفحص النمسا، منذ وقت، ملفات رفعها نائب عن حزب الخضر بيتر بيلز، يتهم فيها فرع الاتحاد التركي في النمسا (ديتيب) بالتجسس لصالح أنقرة، مؤكدا حيازته معلومات تثبت ضلوع اتحاد الأئمة الأتراك في مراقبة عناصر من جماعة “خدمة” إضافة إلى أكراد وصحافيين معارضين لأردوغان.
وتعول تركيا على المساجد التابعة لها في أوروبا للتأثير على المسلمين وبثّ خطابها السياسي، وهو ما أكدته أجهزة الاستخبارات، حيث يُعتبر “ديتيب” وسيلة أساسية لحزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي للتجسّس على الأتراك في النمسا. وفي كل مرة تكشف فيها تقارير برلمانية أو استخباراتية غربية عن مخططات تركية لاغتيال ناشطين سياسيين معارضين مقيمين على أراضيها، يعود الجدل مجددا بشأن ماهية الأجندات التركية في أوروبا وسبل مواجهتها. وتتصدر ألمانيا والنمسا اللتان تحتضنان العدد الأكبر من الجالية التركية في أوروبا جدول اهتمامات المخابرات التركية التي تجند التنظيمات المتطرفة وأئمة المساجد التي تدفع لهم الحكومة التركية رواتبهم في خدمة أهدافها.
ويمتلك اتحاد “أتيب” 64 مقرا ومسجدا في عموم النمسا، بينها 5 مقرات كبيرة في فيينا، فضلا عن 100 ألف شخص ينضوون تحته.
ومنذ عام 2015 يحظر قانون خاص بالإسلام في النمسا التمويل الخارجي. وينص هذا القانون أيضا على أنه يجب على المؤسسة الدينية المُعترف بها بحسب القانون العام تغطية مصاريف الخدمات الدينية من مصادر تمويل محلية.
وحسب صحيفة كورير النمساوية، تعمل “أتيب” كمظلة تضم منظمات وأندية ثقافية ومساجد في الأراضي النمساوية، وتهدف لترسيخ الثقافة ونمط الحياة التركي على المجتمع، ونشر أفكارها الدينية المتطرفة وخلق مجتمعات موازية.
المتاجرة بالقضية ووفق الصحيفة، فإن “أتيب” تعد ذراع أردوغان الطولى في النمسا، وتتلقى تمويلا لأنشطتها ورواتب أئمتها من مديرية الشؤون الدينية التركية “حكومية”، وتخضع لتأثير مباشر من النظام التركي وحزب العدالة والتنمية.
ولفتت الصحيفة إلى أن “أتيب” ملاذ للإسلاميين في النمسا، ومفرغة لمؤيدي التنظيمات المتطرفة التي يدعمها أردوغان.
ولتركيا أدوات متعددة في اختراق النسيج المجتمعي النمساوي بداية من توظيف المساجد والجمعيات الخيرية التي تديرها وصولا إلى التنظيمات المتطرفة الناشطة بقوة في فيينا وبالخصوص منظمة ميللي جوروش، السلف الإسلامي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
وتملك المنظمة 87 ألف عضو في أوروبا، فيما يحضر الدروس في المساجد والمؤسسات التابعة لها 300 ألف شخص أسبوعيا.
وتعتبر السلطات النمساوية أن أكبر تهديد للأمن في البلاد هو نشاط الجماعات الإسلامية، حيث يعتقد المتطرفون الإسلاميون بأن مجتمعاتهم تواجه تهديدا وجوديا، ما يفرض على كل فرد التزاما بالقتال لدفعه وحشد أنصاره وتجنيد عناصر جديدة. ما ينذر مستقبلا بأن يمثلوا تهديدا يصعب تقدير حجمه ومخاطره وتداعياته على الأمن المجتمعي في النمسا.
وتكثف الحكومة النمساوية جهودها للحيلولة دون بسط المتطرفين الإسلاميين نفوذهم داخل المجتمع النمساوي وكذلك إخضاعهم للمراقبة.