هل تعلم أن سكان واشنطن البالغ عددهم مليون أمريكي يسكنون بالعاصمة ولا يملكون من يمثلهم في مجلس الكونغرس ولا صوت لهم؟
القصة تعود إلى ستينيات القرن الثامن عشر، عندما احتج المستعمرون الأمريكيون على "فرض الضرائب دون تمثيل"، أي الضرائب التي فرضها التاج البريطاني ولم يأت معها أي حقوق لتقرير المصير في المستعمرات البريطانية.
ولكن بعد قرون، ما زالت العبارة تسري على مجموعة من الأمريكيين: وتحديداً 705 آلاف ساكنٍ لمقاطعة كولومبيا، حاربوا لقرون، من أجل التمثيل والحكم الذاتي.
لكن الشكاوى طويلة الأمد لسكان العاصمة واشنطن يمكن أن تنتهي قريباً، بحسب ما نشرته مجلة National Geographic.
مشروع قانون يطالب بجعل واشنطن الولاية الـ51
ففي 26 يونيو/حزيران 2020، مرر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون يضع العاصمة على طريق غير مسبوق نحو أن تصبح الولاية الواحدة والخمسين.
وقد تم تمرير مشروع كيان الولاية، الذي دعمه زعيم الأغلبية بمجلس النواب ستيني هوير، في المجلس الواقع تحت سيطرة الديمقراطيين، بـ 232 صوتاً مقابل 180.
وسيذهب مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ بقيادة الجمهوريين، ومن المستبعد أن يتم تمريره هناك.
وقد أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيضاً إلى أنه سيستخدم حق الفيتو لرفض مشروع القانون إن وصل إلى مكتبه.
ممارسات السلطة الفيدرالية تدفع إلى المطالبة بالتمثيل الشعبي
هذا التوجه الحديث نحو تقرير المصير لم تغذه فقط التوجهات المناهضة لبريطانيا، لكن الغضب الحالي من الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة.
ففي أوائل يونيو/حزيران 2020، دخل ضباط فيدراليون وأفراد من الحرس الوطني من خارج الولاية إلى المدينة بطلب من المحامي العام الأمريكي، ودون الحصول على إذن من عمدة واشنطن، ميوريل باوزر؛ من أجل قمع التظاهرت ضد وحشية الشرطة.
وقد لاقى استعراض القوة استهجان سكان المدينة وغضبهم، إذ قال باوزر لصحيفة New York Times: "نحن خاضعون لأهواء الحكومة الفيدرالية، وهي أحياناً خير، وأحياناً شر".
ومع أن العاصمة واشنطن هي مقر الحكومة الفيدرالية، لا ينعم سكانها الذين يلتزمون بقوانين الولايات المتحدة ويدفعون الضرائب بأي تمثيل في الكونغرس منذ 27 فبراير/شباط لعام 1801.ترجع الإجابة إلى أيام تأسيس الولايات المتحدة.
جنود سكارى يهاجمون مقر مجلس النواب
في أثناء الثورة الأمريكية، لم يكن للكونغرس القاري مقر دائم. وأثناء كتابة المؤسسين للدستور الأمريكي، دار بينهم الجدل حول الموقع الدائم لعاصمة الولايات المتحدة.
اتفقوا على نقطة واحدة: أنهم لا يرغبون في تكرار أحداث يونيو/حزيران 1783، حين اجتمع عدد من الجنود السكارى، مدفوعين بالغضب من مكافأة نهاية الخدمة الضئيلة، وحاصروا مقر مجلس نواب ولاية فيلادلفيا.
وقتها فشلت السلطات المحلية في التصرف، ونجح الحشد في طرد الكونغرس من البلدة.
وهكذا أصبحت واشنطن عاصمة ومدينة فيدرالية
ومنعا لتكرار الاحتجاجات الكارثية ومن أجل إرساء حكم الدولة الجديد على مقر حكومتها، اتفق رجال الدولة على فكرة المدينة الفيدرالية.
ويعطي البند السابع عشر من الفقرة الثامنة من المادة الأولى من الدستور الأمريكي للكونغرس حق الاستئثار بالتشريع في جميع القضايا بمقر الحكومة الذي لا تتجاوز مساحته عشرة أميال مربعة، لكن النزاع استمر حول موقع هذه الأرض والمنتفعين منها.
فقد أرادت الولايات الشمالية أن تكون العاصمة في الشمال وأن تتكفل الحكومة الفيدرالية بديون الولايات الشمالية في الحرب الثورية، لكن الولايات الجنوبية التي كانت قد دفعت معظم ديونها بالفعل اعترضت على ذلك.
ووضعت تلك القضية الكونغرس في مأزق وأدت إلى نقاشات حادة، حتى استضاف وزير الخارجية حينها، طوماس جيفرسون، عشاء بالغ الأهمية مع وزير المالية ألكسندر هاملتون، الذي انحاز إلى الولايات الشمالية، وعضو الكونغرس عن ولاية فرجينيا، جيمس ماديسون.
على تلك المائدة، توصل الرجال إلى اتفاق عرف بتسوية 1790: في مقابل عاصمة تقع على ضفاف نهر بوتوماك في الجنوب، وافق ماديسون على السماح بتكفل الحكومة الفيدرالية بديون الحروب الشمالية.
وكانت النتيجة قانون الإقامة، الذي أسس عاصمة دائمة صارت فيما بعد واشنطن.
فقد منح القانون الحق للرئيس الأمريكي جورج واشنطن لاختيار الموقع. واختار موقعاً مداولاً لجورجتاون، وسلمت ولايتا ماريلاند وفرجينيا الأرض للحكومة الفيدرالية. وتولى الكونغرس حكم المنطقة في فبراير/شباط لعام 1801.
خسر سكان واشنطن حق التصويت
وحينها تعرض الناس الذين يعيشون بالفعل في المنطقة للحرمان من حقوقهم عبر تأسيس العاصمة واشنطن.
وبما أن سكان هذه المنطقة الجديدة المزدحمة لا يعيشون في ولاية أمريكية، فلم يكن بإمكانهم التصويت على الشؤون المحلية والفيدرالية.
وقد سبب هذا أذى دائماً لسكان واشنطن، ودفعهم إلى المطالبة بحكم أنفسهم على مدار القرنين الماضيين.
ومع أنهم انتزعوا مرسوماً بلدياً في عام 1802، منحهم حق انتخاب مجلس للمدينة من 12 عضواً، فإن هذا المرسوم ألغي فجأة في 1871 حين دخلت واشنطن مؤقتا تحت سلطة حكومة إقليمية، حكمها ثلاثة مفوضين عينتهم الرئاسة.
واستمر سكان واشنطن في الضغط من أجل حقوقهم. وفي 1963، انتزعوا حق التصويت في انتخابات الرئاسة بتمرير التعديل الثالث والعشرين للدستور، وفي 1973، أعطاهم قانون الحكم الذاتي حكومة محلية تمثيلية لها عمدة ومجلس مدينة.
لكن سكان واشنطن ما زالوا لا يتمتعون بالحكم الذاتي وحقوق التصويت التي يتمتع بها الأمريكيون الآخرون.
وما زالت القوانين المحلية في واشنطن خاضعة لمراجعة الكونغرس. وليس لديهم تمثيل في الكونغرس بخلاف مندوب لا يملك حق التصويت بمجلس النواب.
وبرغم الضغوط المتزايدة لتصبح واشنطن الولاية الواحدة والخمسين، ما زالت المنطقة لا تتمتع بحقوقها حتى يومنا هذا.