إيران لا توقف القتال.. سيناريوهات طهران لمستقبل اليمن

تقارير وحوارات
قبل سنة 1 I الأخبار I تقارير وحوارات

​منذ أن أنجز السعوديون والإيرانيون اتفاقهم التاريخي في بكين، ينكبّ المحللون على تتبع مسارات الأمن والسياسة في مناطق النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، من اليمن إلى لبنان، سعيًا إلى الإجابة عن السؤال الآتي: أي استراتيجية ستعتمدها طهران في المرحلة المقبلة من الصراع؟ هل هي استراتيجية «صفر مشكلات» التي تعمل السعودية على تنفيذها؟

على رغم الوساطة العُمانية ومحاولات التواصل السياسي بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية، فوجئ المتابعون بتصعيد حوثي عسكري مبرمج، فقد شنّ الحوثيون هجومًا على مواقع المجلس الانتقالي في محافظة لحج الجنوبية، يوم الأحد الفائت، أوقع نحو 30 قتيلًا وجريحًا في صفوف الجيش، وعلى مدى الأسابيع الأخيرة، تلاحقت الهجمات الحوثية، ومنها ما استهدف مناطق محاذية للحدود مع المملكة العربية السعودية.

وهذا التصعيد يستدعي طرح العديد من الأسئلة: 1- أي مسار ستسلكه الحرب في اليمن، بعد اتفاق بكين؟ 2- ما مستقبل اليمن ككيان سياسي موحّد ومستقل؟ 3- ما هي الاستراتيجية التي تعتمدها إيران في سعيها إلى بسط أوسع رقعة نفوذ لها في الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي، بدءًا باليمن؟ 4- كيف ستتعاطى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وحلفاؤهما مع تصعيد الحوثيين في اليمن، باعتباره التحدّي الأكبر لأمن الخليج العربي؟ من الواضح أنّ حرب الثماني سنوات في اليمن كرّست وقائع بات صعبًا التراجع عنها، وأبرزها «تعملق» الحوثيين عسكريًا وسيطرتهم على العاصمة صنعاء حيث مراكز الحكم، وعلى العديد من المرافق الاقتصادية البالغة الأهمية، كما أنّهم استطاعوا فرض أنفسهم شركاء قادرين على مخاطبة القوى الخليجية الأساسية من الند إلى الند.

ما يريده الحوثيون اليوم، من أي تسوية يجري ترتيبها، هو الاعتراف الخليجي والعربي والدولي بهم، باعتبارهم أصحاب القرار الأول في مستقبل اليمن. وفي الموازاة، هم يرفضون في أي شكل مجرد النقاش حول سلاحهم على أي طاولة حوار. وفي اختصار، يريد الحوثيون أن يستوعبوا الدولة بدخولهم إليها فتصبح بكاملها تحت سيطرتهم. وحينذاك، يكون اليمن الواقع في قلب الخليج العربي، واحدًا من الدول العربية التي تدور في فلك طهران، أي العراق وسوريا ولبنان، وهذه الورقة الثمينة لا تبدو طهران مستعدة للتفريط بها، ولو عقدت اتفاق تطبيع للعلاقات مع السعودية.

ولذلك، عمليًا، لم يوقف الحوثيون قتالهم حتى اليوم، لكنهم بدّلوا في التكتيك. وثمة اعتقاد بأنّهم سيولون اهتمامهم في المرحلة المقبلة للمناطق الأكثر أهمية عسكريًا واقتصاديًا في اليمن، ولاسيما المرافئ وآبار النفط، سعيًا إلى تحصين أنفسهم بمقدّرات مالية تحتاج إليها المناطق الواقعة تحت نفوذهم.

ويقول محللون إنّ إيران، وعلى رغم اتفاقها مع السعودية، تؤمّن التغطية اللازمة لحلفائها اليمنيين "أنصار الله" لكي يحافظوا على قوتهم ويرسّخوا نفوذهم في مستقبل اليمن والخليج. وهي لذلك لا تتدخّل طالبةً منهم التزام التهدئة. وعلى العكس، هي تريد لهم أن يستثمروا الفرصة السانحة لقضم ما أمكن من مكاسب قبل أي تسوية محتملة.

وثمة من يعتقد أنّ إيران ليست مهتمة فعلاً بإنجاز تسوية سياسية في اليمن حاليًا، وأنّها تفضّل منح حلفائها اليمنيين متسعًا من الوقت لكي يحسّنوا مواقعهم التفاوضية إلى الحدّ الأقصى، فتأتي التسوية، إذا نضجت ظروفها، ترجمة لانتصارهم العسكري. وفي تقدير البعض، أنّ إيران تمتلك الوقت الكافي لتحقيق هدفها، فيما السعودية مستعجلة في إنهاء الملف اليمني بأقصى سرعة، وإطفاء الحريق المندلع في حديقتها الخلفية، لكي تتمكن من إطلاق مشروعها التنموي الطموح «رؤية 2030»، في مناخات الاستقرار العسكري والسياسي.

وعلى الأرجح، هذا السلوك الحوثي والإيراني لا يستفز الولايات المتحدة، ولا يدفعها إلى اتخاذ أي موقف رادع، وربما تجد واشنطن هي الأخرى فرصة للاستثمار في هذا الصراع. فالحلفاء الخليجيون، تحت تأثير القلق من ضربات الحوثيين وإيران، سيجدون أنفسهم دائمًا مضطرين إلى طلب الدعم الأميركي، بهدف الحصول على الحماية السياسية، ودفع مليارات النفط ثمنًا للأسلحة الأكثر تطورًا.

وسلوك إيران في اليمن يبدو جزءًا من استراتيجيتها في التعاطي مع الدول العربية الأربع التي تتمتع فيها طهران بالنفوذ، أي اليمن، العراق، سوريا ولبنان. ففي هذه الكيانات كلها يبدو مشهد واحد: تسويات سياسية متعثرة، مؤسسات منهارة، وحلفاء طهران مستنفرون لتكريس نفوذهم داخلها. ومن الواضح أنّها كلها تشهد أنواعًا من الهدنة العسكرية أو الأمنية، ولكن لا مجال لتسويات حقيقية وبناء دولة.

على مدى عقود، شاعت مقولة إنّ مصير لبنان شبيه بمصير العراق. فإذا كان أحد البلدين مستقراً، يكون الآخر كذلك، والعكس صحيح. وأما اليوم، فيمكن إدخال اليمن كنموذج إلى العراق ولبنان، وكذلك سوريا، مع بعض الفوارق في طبيعة الصراع. وهكذا، ستبقى الكيانات الأربعة قيد الدوران وسط أعاصير الشرق الأوسط.

"الجمهورية" اللبنانية