صادق البرلمان في كوريا الجنوبية السبت بالأغلبية على مذكرة لعزل الرئيس يون سوك يول، على خلفية محاولته لفرض الأحكام العرفية في الثالث من ديسمبر/كانون الأول.
وصوّت 204 نواب لصالح المذكرة بينما عارضها 85 نائبا، بينما امتنع ثلاثة نواب عن التصويت، وبطُلت ثمانية أصوات حسبما أعلن رئيس البرلمان.
وتسارعت الأحداث في كوريا الجنوبية، بعد المحاولة الصادمة التي أقدم عليها رئيس البلاد، يون سوك يول، لفرض الأحكام العرفية ليلة الثلاثاء الماضي، ولم تدم لفترة طويلة.
وفي غضون أسبوع، تحول الرئيس من شخص نادم ومعتذر على أمل تجنب العزل، إلى متحدٍ حين تعهد بمواصلة القتال عندما شعر أن الخناق يضيق عليه.
مُنع من مغادرة البلاد وشرع القضاء في التحقيق معه بتهمة الخيانة ـ وهي الجريمة التي يعاقب عليها القانون بالإعدام ـ وتلاشى الدعم من حزبه، وتعالت آلاف الأصوات الغاضبة ضده في الشوارع كل ليلة .
وخلال فترة وجيزة من هذا الأسبوع، بدا الأمر كما لو أنه أبرم صفقة مع حزبه للتنحي مبكرا، مقابل عدم إقالته من منصبه في تصويت السبت الماضي.
ولكن مع مرور أيام الأسبوع، لم تظهر هناك أي إشارة أو تفاصيل توحي بأنه سيتنحى، وبات من الواضح تدريجياً أنه ليس لديه أي نية للاستقالة.
وظهر عناده جليا يوم الخميس، عندما أعلن أنه "سيقاتل حتى النهاية"، وهو يدافع عن قراره بالاستيلاء والسيطرة على البلاد.
وكان خطابه متشعبا ومليئاً بنظريات المؤامرة التي لا أساس لها، بما في ذلك اقتراح غامض بأن كوريا الشمالية ربما تكون قد زورت الانتخابات السابقة، التي فشل فيها في الفوز والسيطرة على البرلمان.
وقال إن البرلمان "وحش"، وأن حزب المعارضة "خطير"، وأنه بإعلانه الأحكام العرفية كان يحاول حماية الشعب وإنقاذ الديمقراطية.
لقد أمضى يون معظم هذا الأسبوع مختبئا، بينما حاولت الشرطة مداهمة مكاتبه لجمع الأدلة، وفي محاولة لتهدئة الغضب العام، أعلن حزبه أنه لن يسمح له باتخاذ القرارات في المستقبل ــ على الرغم من أن الخبراء القانونيين اتفقوا على عدم وجود شيء في الدستور يتيح لهم ذلك.
وقد تركت هذه الاحداث الجميع في حيرة وتساؤل ملح ــ من الذي يدير البلاد؟
ــ وخاصة وأن كبار قادة الجيش قالوا إنهم سيتحدون أوامره إذا حاول فرض الأحكام العرفية مرة أخرى حينها.
والآن هناك فراغ في السلطة مقلق في بلد يعيش في ظل تهديد مستمر بالتعرض للهجوم من كوريا الشمالية، يقول ليم جي بونغ، أستاذ القانون في جامعة سوغانغ "لا يوجد أساس قانوني لهذا الترتيب، نحن في وضع خطير وفوضوي".
لقد كان من الواضح أن هذا الوضع المزعزع للاستقرار والغريب لا يمكن السماح له بالاستمرار لفترة أطول، ولكن الأمر استغرق بعض الوقت حتى أدرك حزب الرئيس، حزب قوة الشعب، أن عزل يون أمر لا مفر منه.
في البداية، كان أعضاء حزبه يحمونه، وحاولوا إنقاذ سمعتهم السياسية، مستخدمين كراهيتهم لزعيم المعارضة في كوريا الجنوبية، لي جاي ميونغ، الذي يخشون أن يصبح رئيسا بعد أن أقيل يون.
ولكن يوم الخميس، وبعد مماطلة استمرت أياما، خرج زعيم الحزب الحاكم، حزب قوة الشعب الشعب، هان دونغ هون، ليحث جميع أعضاء البرلمان على عزله، وقال: "يجب تعليق عمل الرئيس من منصبه على الفور".
وكان النائب عن الحزب الحاكم، كيم سانغ ووك من أوائل الذين غيروا رأيهم، وقال لبي بي سي من مكتبه في الجمعية الوطنية "لم يعد الرئيس مؤهلاً لقيادة البلاد، إنه غير لائق تمامًا".
لكن كيم قال إن جميع أعضاء البرلمان من الحزب الحاكم لن يتبعوا قيادة الحزب، فهناك مجموعة ستظل مخلصة ليون، وفي دائرته الانتخابية المحافظة للغاية، قال كيم إنه تلقى تهديدات بالقتل بسبب تغيير موقفه، مضيفاً: "لقد وصفني حزبي وأنصاري بالخائن"، كما وصف كيم السياسة في كوريا الجنوبية بأنها "قبلية للغاية".
وتركزت الغالبية العظمى من الغضب الشعبي في كوريا الجنوبية على أعضاء البرلمان الذين حموا يون حتى هذه اللحظة، كما أن هتافات احتجاجات ليلة الأربعاء، تغيرت من مجرد "عزل يون" إلى "عزل يون، وحل الحزب".
يقول طالب الدراسات العليا، تشانغ يو هون، البالغ من العمر 31 عاما، والذي انضم إلى عشرات الآلاف من المحتجين، في طقس بارد جدا ودرجات حرارة متجمدة، للتعبير عن خيبة أمله "أكرههما كثيرا الآن، لكنني أعتقد أنني أكره أعضاء البرلمان أكثر من الرئيس".
تشانغ يو هون
وطوال الأسبوع، تعرض النواب لسيل من الرسائل المسيئة والمكالمات الهاتفية بالتهديد، فيما وصفه أحد أعضاء البرلمان بأنه "إرهاب هاتفي"، بينما أرسلت الزهور الجنائزية، التي عادة ما توضع على توابيت الموتى، إلى بعض النواب.
وحتى بعد عزل الرئيس، فإن حزبه، المنقسم الآن والمكروه على نطاق واسع، يواجه النسيان السياسي، ويقول أحد مسؤولي الحزب الغاضبين "نحن لا نعرف حتى من نحن أو ما الذي نمثله بعد الآن".
ويعتقد النائب المنشق كيم سانغ ووك أن الأمر سيستغرق بعض الوقت لاستعادة ثقة الناخبين، ويضيف "لن نختفي، لكننا بحاجة إلى إعادة بناء أنفسنا من الصفر، هناك مقولة مفادها أن اقتصاد كوريا الجنوبية وثقافتها من الدرجة الأولى، لكن سياساتها من الدرجة الثالثة، والآن هي الفرصة للتفكير مليا في هذه المقولة".
لقد وجه يون ضربة شديدة لسمعة كوريا الجنوبية كديمقراطية راسخة، فقد كان هناك نوع من الفخر عندما ألغى النواب بسرعة قرار الرئيس بفرض الأحكام العرفية، وأن المؤسسات الديمقراطية في البلاد لا زالت تعمل بعد كل ما حدث، لكن هشاشة النظام انكشفت مرة أخرى.
لكن البروفيسورة يون جونغ إن، أستاذة الأبحاث في معهد البحوث القانونية بجامعة كوريا، أصرت على أن البلاد تتعامل مع "انحراف، وليس فشلا منهجيا للديمقراطية"، مشيرة إلى الاحتجاجات الجماعية كل ليلة، وأوضحت أن "الناس لا يصابون بالذعر، بل إنهم يقاومون، إنهم ينظرون إلى الديمقراطية باعتبارها شيئاً من حقهم".
لقد لحق الضرر أيضا بالعلاقات الدولية لكوريا الجنوبية، ومن المفارقات أن الضرر لحق بالكثير مما أراد يون تحقيقه، فقد كانت لديه رؤية بأن تصبح كوريا الجنوبية "دولة محورية عالمية"، تلعب دورا أكبر على الساحة العالمية، حتى أنه كان يأمل في جلب دعوة لسيول للانضمام إلى مجموعة السبع.
ويقول دبلوماسي غربي إنهم يأملون في "حل سريع" للأزمة، مضيفاً: "نحن بحاجة إلى كوريا الجنوبية لتكون شريكا مستقرا. إن المساءلة ستكون خطوة في الاتجاه الصحيح".