ما بعد اتفاق الحوثيين وأمريك.. ثلاثة سيناريوهات للمشهد اليمني

محليات
قبل 4 ساعات I الأخبار I محليات

قدم مركز "المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية" قراءة تحليلية موسعة بعنوان "مستقبل السلام في اليمن.. بعد اتفاق الحوثي وأمريكا"، تناول فيها أبعاد الإعلان المفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 7 مايو 2025، عن وقف الضربات الأمريكية ضد جماعة الحوثي، معلنًا قبول الجماعة بما وصفه بـ"الاستسلام" والتوقف عن مهاجمة السفن مقابل وقف العمليات الأمريكية.

واستعرض المركز في تحليله  السياق السياسي والأمني للاتفاق، مشيرًا إلى أن الإعلان الأمريكي جاء بعد تصعيد واسع في البحر الأحمر وخليج عدن، ووسط ضربات أمريكية وإسرائيلية مكثفة على مواقع الحوثيين والبنى التحتية المدنية في اليمن، في أعقاب تهديدات متكررة من الجماعة للملاحة الدولية.

وأوضح التحليل أن سلطنة عمان أعلنت بالتزامن عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي، بعد جهود وساطة إقليمية ودولية مكثفة، فيما لا تزال تفاصيل الاتفاق غير واضحة، وسط تضارب في التصريحات بشأن مضمونه وحدوده.

وذكر المركز أن الاتفاق شمل وقفًا فوريًا للهجمات المتبادلة، وضمان عدم استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مقابل وقف الضربات الأمريكية، في محاولة لاحتواء التوتر وضمان حرية الملاحة. وفي حين أعلن الرئيس ترامب أن الحوثيين "استسلموا"، نفى المتحدث باسم الجماعة محمد عبدالسلام وجود أي تنازلات تمس موقفهم من دعم فلسطين أو الهجمات على إسرائيل، مؤكدًا أن الاتفاق لا يشمل هذه الجبهة.

وأشار التحليل إلى أن سلطنة عمان وصفت الاتفاق بأنه يهدف إلى "خفض التصعيد"، دون أن يشكل حلًا جذريًا للأزمة اليمنية، الأمر الذي يعكس هشاشة التفاهم ومحدوديته في ظل تعقيد المشهد السياسي والعسكري.

التحديات البنيوية أمام تحقيق السلام وسلط المركز الضوء على عدد من التحديات التي تقف أمام تحويل هذا الاتفاق إلى بداية مسار سلام مستدام، وفي مقدمتها الانقسامات الداخلية والإقليمية، والتدخلات الخارجية، والانهيار الاقتصادي والإنساني في اليمن.

وأوضحت القراءة أن جماعة الحوثي تمثل قوة عسكرية وأيديولوجية مدعومة من إيران، وتتموضع ضمن محور "المقاومة" الإقليمي، مما يصعّب دمجها في تسوية سياسية متوازنة وشراكة مدنية مع بقية الأطراف اليمنية.

في المقابل، تعاني الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا من ضعف الحضور وانقسام الفصائل الموالية لها، ما جعلها عاجزة عن فرض سلطة مركزية موحدة أو تحقيق استقرار في المناطق الخاضعة لها.

وأشار التحليل إلى أن السعودية تسعى لضبط الأوضاع في حدودها الجنوبية وتحقيق استقرار في اليمن، لكنها تواجه ضغوطًا أمريكية لربط تنفيذ خريطة الطريق السياسية بوقف هجمات الحوثيين على إسرائيل، فيما تتباين أولوياتها مع الإمارات في بعض ملفات الصراع اليمني.

أدوار القوى الخارجية وأكدت القراءة أن التدخلات الخارجية تؤجج الأزمة، مشيرة إلى أن إيران ترى في الحوثيين ورقة ضغط رئيسية لمساومة الغرب، وتستخدمهم في إدارة المواجهة غير المباشرة مع الولايات المتحدة. أما واشنطن، فتتعامل مع الملف اليمني من منظور أمني يركّز على حماية الملاحة ومواجهة النفوذ الإيراني، دون إعطاء أولوية كافية للأبعاد الإنسانية والاقتصادية.

ورصد المركز التحول اللافت في موقف الإدارة الأمريكية، التي كانت في بداية 2025 قد صعّدت ضد الحوثيين ووصفتهم بأنهم يجرّون المنطقة إلى الحرب، لكنها عادت لاحقًا لتكتفي بوقف الهجمات واعتبار ذلك "نجاحًا" في حماية الملاحة، رغم تصاعد الخطر البحري وانهيار البنية التحتية في اليمن.

أزمة اقتصادية معقدة ولفت التحليل إلى أن الأزمة الاقتصادية لا تقل خطورة عن التحديات العسكرية، إذ ما يزال تصدير النفط متوقفًا منذ 2022، عقب هجمات حوثية على موانئ التصدير في حضرموت، مما أدى إلى انهيار إيرادات الحكومة الشرعية، التي كانت تعتمد بنسبة 70% من موازنتها على عائدات النفط.

وأوضح المركز أن التعافي الاقتصادي مشروط باستئناف تصدير النفط والغاز، لكن الخلافات حول توزيع العائدات، ورفض الحوثيين تحمّل التزامات مالية، لا تزال تشكل عائقًا كبيرًا، خصوصًا مع سيطرة الجماعة على مداخيل إجبارية تفوق ما تحصل عليه الحكومة من الضرائب.

سيناريوهات المستقبل اليمني واستعرضت القراءة التحليلية ثلاثة سيناريوهات محتملة لتطور الأوضاع:

1. تفعيل خريطة الطريق الأممية، التي تتضمن وقف إطلاق النار، إعادة الإعمار، والحل السياسي خلال مراحل زمنية، لكنها تواجه عراقيل أبرزها رفض الحوثيين الربط بين المكاسب الاقتصادية ووقف الهجمات العسكرية، رغم إمكانية استخدام اتفاقات اقتصادية جزئية، مثل صرف الرواتب، لبناء الثقة.

2. تصعيد عسكري جديد، في حال تعثرت المفاوضات أو فشل الاتفاق النووي الإيراني، ما قد يدفع الولايات المتحدة أو شركاءها إلى دعم هجوم على صنعاء أو الحديدة، وهو سيناريو يرى فيه بعض الخبراء فرصة لحسم الصراع، بينما يحذر آخرون من كارثة إنسانية وتفاقم الانقسام.

3. استمرار الوضع الراهن، حيث تبقى البلاد في حالة "لاحرب ولا سلم"، ويستفيد بعض الأطراف من إبقاء الأزمة قائمة لتعزيز نفوذهم أو تأمين مصالحهم البحرية، بينما يتكرس الانقسام الداخلي بتغذية خارجية.

متطلبات السلام المستدام ورأى المركز أن تحقيق السلام يتطلب توافقًا سياسيًا يضمن إشراك جميع الفصائل اليمنية، بما في ذلك الحوثيون، في حوار وطني برعاية أممية، شريطة نزع سلاح الجماعة، وقطع ارتباطها بطهران، وتحويلها إلى كيان سياسي غير مسلح.

كما شدد التحليل على أهمية توحيد القوات العسكرية تحت مظلة مجلس القيادة الرئاسي، واستعادة مؤسسات الدولة، إلى جانب تقديم دعم اقتصادي دولي لإعادة إعمار البنية التحتية، وتحسين الخدمات الأساسية، وتحفيز القطاع الخاص.

وفي السياق ذاته، دعا إلى فرض عقوبات على الأطراف المعرقلة للمفاوضات، وتعزيز التنسيق الإقليمي بين السعودية والإمارات وسلطنة عمان، للحد من التدخلات الإيرانية عبر المنافذ البرية والبحرية.

خاتمة واختتم مركز "المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية" قراءته بالقول إن الاتفاق بين الحوثيين وأمريكا يمثل خطوة مبدئية نحو خفض التوتر، لكنه لا يمكن اعتباره اتفاق سلام حقيقي، ما لم تتم معالجة الأسباب الجذرية للصراع، ووضع حلول عاجلة لقضايا الفقر والانقسامات، وإخراج الأطراف الخارجية من معادلة النزاع، مؤكداً أن غياب الإرادة السياسية سيحول اليمن إلى ساحة دائمة للحروب بالوكالة، بما يهدد أمن واستقرار المنطقة بأكملها.