من عشرة أعوام ونحن ندعو لسلطة واحدة في عدن وأخواتها المحافظات المحررة ، فإما سلطة شرعية تمثِّل الدولة اليمنية ، وإما سلطة الأمر الواقع التي يمثِّلها المجلس الإنتقالي الجنوبي ، على ما في هذه الحالة من إنقلاب يضاهي في شكله إنقلاب الجماعة الحوثية في صنعاء .
رجاء كفوا الحديث عن تكرار المبررات التي سمعناها حتى سئمناها ، فإما أن تكونوا شجاعا وتعلنوا دولة الجنوب المستقلة ، وتتحملوا مسؤولية الآثار الناجمة عن هذا القرار .
وإمَّا كونوا شجاعًا - أيضًا - واعملوا كشركاء حقيقيين وفاعلين في السلطة الشرعية التي أنتم جزءا منها ، وسبق لكم التوقيع على مضامين هذه الشراكة السياسية في اتفاق الرياض .
فلا يجوز أن تكونوا شكلًا من مجلس الرئاسة والحكومة ، ومن ثم مضمونًا وواقعًا تعملون كقوة معطلة ومثبطة لهذه السلطة الشرعية .
لا خيار ثالث ووسط ، أمَّا سلطة شرعية غايتها استعادة الدولة اليمنية سلطة وسيادة ومساحة وشعبًا ، وأمَّا سلطة مستقلة تمثل الدولة الجنوبية بكل ما تعني من سلطة ومساحة وشعب وسيادة ودستور .
غير هذين الخيارين ، لا مجال للمزيد من العبث والتسويق والتضليل ، لقد وصلت الحالة حد الكفر بكل شيء .
الذين يتحدثون الآن عن مقاربة من نوع ما ، بين الرئيس العليمي وأعضاء مجلسه ، أو عن إتفاق بين السلطة الشرعية والجماعة الحوثية هم في الأساس يرحلون الأزمة ويزيدونها تعقيدًا .
فما هو مؤكد ومعلوم أن أزمة مكونات الشرعية لن تحل بحكومة كفاءات أو مناصفة أو سواها من المسميات ، وإنما تحل بتوافق سياسي واضح وصريح حول ماهية السلطة الشرعية ؟ وهل هي سلطة واحدة غايتها استعادة الدولة اليمنية ام سلطات وشركات متعددة المآرب والغايات ؟.
كما ولن تحل المسألة اليمنية باتفاق سياسي بين الشرعية والحوثيين ، وبمجرد جمع الفرقاء على طاولة واحدة ، فالضغط السعودي سيفلح في إضعاف وتفكيك ما هو ضعيف ومجزأ أصلًا " الشرعية " ، وسيكون لمصلحة الحوثيين ، ولن ينهي الحرب ويحقق السلام الدائم والعادل والمنشود لكافة اليمنيين .
وفي الحالتين ، هناك قوتين تتجسدان في الواقع ، وكلاهما خارج سياق الدولة اليمنية ، ويقينا أن العليمي ومجلسه وحكومته لن يفلحوا بتحقيق شيء ذا قيمة لليمنيين في ظل سيطرة وهيمنة هاتين القوتين على الجنوب والشمال .
فالجماعة الحوثية لن تقدم أي تنازلات جوهرية بعد أن صارت سلطة ولديها القوة والنفوذ اللذين يمكنها من الاستدامة بعد أي إتفاق ، فمهما كانت الضغوطات الاقتصادية أو العسكرية إلَّا أن مثل هذا الإتفاق يعد مكسبًا كبيرًا لها ، مقارنة بالخيارات الأخرى في حال الهزيمة العسكرية أو التمرد الداخلي .
والحال ينطبق على العليمي إذا ما بقى مجلسه وحكومته وسلطته بهذا الضعف والتبعية للتحالف ممثلا بالسعودية والإمارات ، وفي كنف رئاسة وحكومة ظل جنوبيتين في عدن وجوارها .
حزب الله عُرف حقبة زمنية بالثلث المعطِّل في لبنان ، وهذا التأثير مصدره امتلاك الحزب للقوة والنفوذ والتمويل الإيراني ، وهذه جميعها نتاج سلطة الطائفة ، فلولا توزيع السلطة وعلى أساس المحاصصة ، ما كان الحزب سيتغلغل في كيان الدولة ويتقوى عليها في نهاية المطاف .
أدرك أن البعض المتحمسين للإنتقالي الجنوبي سينكرون هذا التماثل ، على اعتبار أن جنوب اليمن غير جنوب لبنان. وأيًا يكن الإختلاف ، فإن الاستقواء بسيطرة المليشيات العسكرية بغرض أضعاف سلطات الدولة تكاد غاية متشابهة وأن اختلفت المسميات والحيثيات .
فالرئيس الجنوبي وحكومته ومليشياته لا يختلف هنا عن رئيس الحزب ومليشياته وقنواته وأتباعه ، فكلاهما يجسدان ظاهرة شاذة معطلة للدولة وسلطاتها .
الواقع يؤكد أن الجنوب جغرافيا وشعبا وسلطة مازال سياسيا وقانونيا ودستوريا وفعليا ضمن الدولة اليمنية ، شئنا ذلك أم أبينا .
وأي حديث عن استقلال وتحرر فلابد أن يأتي بحوار وتوافق وترتيب وإتفاق سياسي - وقوة ضامنة أيضًا - ، غير ذلك ليس إلا عبث وإهدار ومضيعة للوقت والجهد والمال.
وإذا كان المستفيد الأول من ضعف السلطة الشرعية هم الجماعة الحوثية ، فإن الخاسر الأكبر هو الدولة اليمنية وخيارات المستقبل .
وفي هذه الحالة ستخسر الشرعية ، بكل مكوناتها في عدن أو المخأ أو حضرموت أو مأرب أو تعز ، بما فيهم الرئيس الزبيدي الذي سيجد ذاته خاسرًا رئاسة وحكومة ودولة وأتباع .
سيجد ذاته وحيدًا غير قادر على تحقيق وعوده التي طالما تراءت له إمكانية تحقيقها باستخدام الشرعية كمظلة تقيه شر التمرد بخلعه لعباءة السلطة الشرعية ..
محمد علي محسن