محمد بالفخر
محمد بالفخر

باصات الموت

     يبدو أن العقد الأخير من أسوأ الفترات الزمنية على اليمن واليمنيين حيث أحاط بهم الموت من كل جانب ادلهمت عليهم الخطوب واشتدّت نار الحروب وحتى عندما رفعت فئة من اليمنيين شعار الموت لأمريكا والموت لإسرائيل فإذا بأمريكا وإسرائيل تصبان على الأبرياء من اليمنيين حمم الموت صبّاً، وأصبح لسان حالهم يقول ليس لها من دون الله كاشفة،

 

 فبعد ضياع الدولة واغترابها وحالة التيه في معظم مؤسساتها فالنتيجة الحتمية ضياع في ضياع،

 

ولهذا سيأتيك الموت من كل جانب حتى ولو كنت راكباً في أحد باصات النقل التي تستثمر في اليمنيين دون رحمة ودون رقيب أو حسيب،

 

قبل ثلاثة أيام حصل حادث مروّع بين باصين على طريق (العبرموت) وهذا عنوان مقال سبق وأن نشرته قبل عدة سنوات ووصفت فيه أن هذا الطريق أصبح طريقاً للموت،

 

وأما الحادث القريب والذي راح ضحيته أكثر من 43 فردا بين قتيلٍ وجريحٍ نسأل الله المغفرة والرحمة لمن توفاه الله ويربط على قلوب أهلهم وذويهم ويلهمهم الصبر والسلوان، ونسأله سبحانه وتعالى أن يمُنّ على الجرحى بالشفاء العاجل والعافية، ونأمل من حكومتنا (الرشيدة) ممثلة برئيس وزرائها الدكتور احمد عوض بن مبارك أن يجعل هذا الموضوع وهذه القضية نُصبَ عينيه ولا تمر مرور الكرام كبقية القضايا،

 

خلال هذه السنوات ظهرت العشرات إن لم تكن المئات من شركات النقل لتنقل المسافرين من المغتربين والمعتمرين والحجاج وخاصة بعد توقف رحلات طيران اليمنية (المريحة) وغيرها بعد اغلاق الكثير من المطارات الرئيسية وعلى كثرتها فلن تجد شركة من الموجودات تحترم الانسان والحياة وتقدر الأرواح على الاطلاق.

 

فمن لم يمت بحادث تصادم مات بانقلاب الباص الناتج عن السرعة في طريق غير آمن أساسا ومن نجى من الحوادث فعليه أخذ الحيطة تحسبا لتعطل الباص ليوم أو أيام وعليك تحمل البرد شتاءً أو لهيب الشمس وحر الجو صيفا ًوتكاليف لوكندات ومطاعم على الطريق لا تصلح للاستخدام الآدمي وليس فيها أدنى مستلزمات النظافة والمنظر الحسن ناهيك عن أدنى معايير متطلبات الغذاء السليم هذا إن حسُن َحظك ووجدتها،

 

وإن من المحزن و المثير للغضب والاستياء ان يتحول الانسان اليمني المطحون لبقرة حلوب يعيش عليها المسئول والتاجر ويتحمل أسعار تذاكر جنونية يدفعها لرحلات مشكوك في سلامتها الا بلطف الله فلا باصات تتأكد من صيانتها وجهوزيتها ولا خدمات ترقى لمستوى ما يدفعه الراكب وفوق هذا عليك تحمّل قلة أدب بعض السواقين وجنون البعض وهو يسرع بعشرات الأرواح وقد أمن العقوبة فله أن يفعل ما يشاء من تدخين يكتم الأنفاس الى أغاني هابطة أو عرض أفلام خادشه للحياء يتم عرضها أمام النساء والأطفال والمراهقين دون مراعاة للتأثير السلبي على الفرد والمجتمع جراء هذا السلوك المشين،

 

كل هذه المعاناة والأهوال وانتظار الموت والدفع المبالغ فيه من أجل أن تقطع مسافة خمسمائة كيلو قد تزيد أو تنقص قليلا ما بين المنفذ اليمني على الحدود والى وجهتك في احدى المدن خلال 48 ساعة على أقل تقدير وبمبلغ قد يصل بعض الأحيان الى ألف ريال سعودي أو أكثر، في حين أنك تتنقل بين الرياض ومكة في باصات فاخرة وحديثة ذهاباً واياباً بمبلغ مائتي ريال مع السكن ليلة في مكة، وتمر في طرق عامرة بالخدمات وسائق للباص يعلم أن أي إساءة أو تجاوز منه لن يمر دون حساب.

 

أعلم يقينا أن المقالات التي تخاطب الضمير وتستحث الرحمة لهذا الشعب المبتلى لن تجد لها طريقا الى نظر المسؤول ناهيك أن تخاطب ضميره، وقد سبق لي ذات يوم أن كتبت مقالاً قبل عدة سنوات بعنوان (باصات النقل يا جبواني) خاطبت في صديقي العزيز صالح الجبواني وزير النقل الأسبق ولم يعبرني حتى برد وكذلك حال الدكتور واعد باذيب وزير النقل اسبق الأسبق عندما كتبت مقالاً عن تجاوزات طيران (السعيدة)

 

وما حدث قبل أيام وما قبله سيكون مثله بعده ولكني أكتب لأسقط ولو شيئا من واجب الكلمة.

 

لا أدري هل سيمد الله في أعمارنا حتى نرى اليمنيين يعامل بعضهم بعضا وفق قانون يفرض احترام الشخص ويضمن حقوقه بضرب على يد المفسد ويعين النزيه أم أنها أماني وأضغاث أحلام والله المستعان.