قبل أيام أعلنت حكومة معين عبدالملك وبعد ساعات فقط اجتماعا عبر بيانا لها أن هناك قوى فساد ترتبط بمصالح متشابكة هي من تعيق عمل الحكومة، وأن الحكومة -بحسب ذلك البيان- ستكشف عن هذه القوى في حال استمرت بفسادها وعرقلتها.
البيان كان يلمّــح الى شخصيات تجارية وسياسية نافذة منها الشيخ أحمد العيسي، وهو الأمر الذي فهمه هذه الأخير، ولم يتردد في الرد على البيان وعلى رئيس الحكومة شخصيا ،قائلا في (حوار) له مع مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية:
(هو "معين" مرتبط رسميًّا مع أولاد الصغير (شركة مقاولات عمل معها معين في السابق) ومجموعة هائل (مجموعة شركات هائل سعيد أنعم) ومع شهاب (شركة شهاب للاستيراد)، ودخل معهم شريكًا في مشروع استثماري بإثيوبيا، وأعمال ومقاولات أخرى. كما أنه مرتبط بمجموعات تجارية أخرى كبيرة؛ يسهِّل عملهم ويسخِّر كل دعم الدولة لهم. وكل هذه المجموعات التجارية تدفع ضرائبها لجماعة الحوثيين، بينما لها الأولوية في الاستفادة من إمكانيات الحكومة الشرعية والتحالف.).
فهذا الرد للعيسي يمثّــل ظهورا علنياً للخلاف الذي ظل تحت السطح بينه وبين رئيس الحكومة ،خلاف ذات بُـــعد تجاري أكثر منه سياسي ،خصوصا وأن رئيس الوزراء سبق وأن أشار -ضمنا- قبل شهرين تقريبا الى تاجر النفط أحمد العيسي حين قال أن بأن تجار النفط لم يدفعون ريال واحد للدولة للدولة مما عليهم من ضرائب واستحقاقات مالية أخرى.
بالـتأكيد أحمد العيسى ليس الوحيد المتهم بالفساد وبالمخالفات المالية بل ثمة رؤوس كبيرة أفرادا وشركات وبيوت تجارية،ولكنها ظلت تفضل الصمت - إن لم نقل الإذلال بالسر – بدلا عن الصدام العلني مع رئيس الحكومة الحالي كما فعلت مع سابقيه من رؤساء الحكومات بل ومع الرئيس السابق علي عبدالله صالح لئلا يضر ذلك بمصالحها، وهو الأمر الذي ظل فعلا يداري عنها فسادها ويكبحه عن الخروج الى العلن ويضمن لها بقاء مسرب الفساد يسكب الى حسابتها البنكية بعيدا عن عيون المراقبين وأجهزة مكافحة الفساد والصحافة، وإن كانت بعض أجهزة الرقابة والصحافة تعرف بجزء كبير حجم هذه الفساد إلا أن سحر المال والرشى كان لهما مفعول السحر عند هذه الأجهزة.
يُـقال:حين يختلف السرق يظهر المسروق .فاليوم ومن خلال بيانات حكومة معين وردود العيسي التي شكلت بداية لنشر الغسيل يكون قد ظهر أمامنا جزءا ولو صغيرا من رأس جبل ثلج الفساد الكبير الذي يضم مملكة مترامية الأطراف ليس العيس ومعين فيها سوى قطرة من مطرة ، وهذه فرصة لمن يزعم جديته بمكافح الفساد وهزيمته، أن تصدي له دون أية اعتبارات حزبية أو سياسية أو جهوية أو تجارية.
فالتزاوج التجاري والسياسي يضع دوما مولودا اسمه فساد خصوصا في بلد فيه القانون مغيب والقضاء معدوم، كهذا الذي نراه هنا كل يوم منذ عقود ,وهو وبحاجة الى فصل هذا التوأم الهجين. فحين يتعاطى التجار السياسة، والسياسة التجارة تفسد السياسة والتجارة بحسب أبن خلدون.
ومن الطريف بالأمر أن العيسي وهو التجار والمسئول أيضا " نائب مدير مكتب الرئيس" أشار في ذات المقابلة آنفة الى هذا وهو يتحدث عما وصفه بالمعاملات التجارية التي يمارسها رئيس الحكومة معين قائلا: (أنا لا أتحدث عن مجموعة معينة، بل عن معين عبدالملك وسياساته. استفادت منها مجموعة هائل سعيد، وفاهم (حيدر فاهم، أكبر مستورد للقمح) وثابت (مجموعة إخوان ثابت الاقتصادية) وكذلك تجار آخرين. العيب ليس في التاجر، بل في المسؤول الذي هو تاجر في نفس الوقت).