أدمنتُ في صباي سماع المذياع، ومتابعة برامجه المتنوعة، وكنت أنام والمذياع بجوار وسادتي، وما زالت أصداؤه وأصوات مذيعيه تتردد في خيالي بعد أن هجرت ذلك الجهاز الحبيب بعشرات السنين. ومن العبارات التي نُقشت في ذاكرتي مما كنت أسمعه عبر أثير إذاعة عدن في طفولتي وصباي في مقدمة كثير من المسلسلات الإذاعية والبرامج الفنية والوثائقية هذه العبارة (إخراج محمد حسين بيحاني)، وربما نسيتها ولكنها لمعت في ذاكرتي يوم أن التقيتُ مؤخرًا بالأستاذ محمد حسين بيحاني (حفظه الله)، وعرفته عن قُرب، رجلًا بشوشًا، دائم الابتسامة، طلق المحيّا، طيب النفس، لطيف الكلام، بسيط الهندام والمظهر، متقدّمًا في السن... هذا الرجل الفاضل مسكنه بالقرب من مسكني، ونصلي في مسجد واحد، ولكن قل من يعرفه من الجيل الجديد، وقل من يلتفت إليه من أبناء جيله، رغم عطائه الإعلامي والفني الكبير على مدى أكثر من ثلاثين عامًا في تلفاز عدن وإذاعتها، قدّم فيها الكثير، وأعطى فيها عصارة جهده وثمرة عمره لينتهي به الحال إلى التغييب والتهميش.
بدأ مسيرة عطائه في محطة عدن التلفزيونية وفي الإذاعة سنة 1969م، واستمر فيهما إلى ما بعد سنة 2000م، وأخرج مئات الأعمال المختلفة، ووقف أمام النجوم الكبار من أهل الفن ورجال الثقافة والفكر موجهًا ومشرفًا على إخراج أعمالهم وتقديمها للمشاهدين والمستمعين بأبهى حلّة تسر الناظرين والسامعين. وهاهو اليوم يعيش بعيدًا عن الأضواء، قد أثقلته السنون، يمشي مشيًا بطيئًا ويصلي جالسًا على كرسي، وكثيرًا ما يمرض ويقعد في بيته وقلّ من يزوره أو يتفقده، فضلًا عمن يرعاه ويقف إلى جانبه في شيخوخته من الجهات الإعلامية أو الرسمية إلا ما قل وندر.
سيبقى اسم العم (محمد حسين بيحاني) الرجل العدني الطيب حيًّا في ذاكرتي وفي نفسي ونفوس أمثالي من أبناء جيلي، والمؤلم أن هذا الرجل النبيل قد يُلتفت إليه في زمن قادم ولكن بعد ألا يجدي ذلك الالتفات نفعًا على طريقتنا نحن العرب الذين نهمل أعلامنا أحياء، ونكرّمهم بعد الرحيل.
حفظ الله الأستاذ محمد حسين بيحاني، ورفع قدره، وجزاه خير الجزاء، وعفا عنا وعنه.
عدن في 10 رمضان 1442هـ
22 أبريل 2021م