كتب: شكري حسين
كتب المنتخب المغربي "اسود الأطلس"، في مونديال قطر، صفحة مشرقة وملحمة تاريخية بأحرف من صمودٍ، من إصرار ومن نور، هي في حكم الإعجاز الذي لا يضاهيه إنجاز عربي آخر، ولا يقترب منه نجاح مماثل.
في الدور الـ 16 تلاشت المفاجأت ولم يعد لها مكان، بعد توقفت مغامرة الفرق الآسيوية والأفريقية عند حاجز منطق الفرق "العتيدة" أو كما هو متعارف عليه اقطاب الكرة العالمية، منتخبات أوربا وامريكا الجنوبية، حيث ودّعت منتخبات أسيا "اليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا"، ومن بعدهم ممثل أفريقيا "السنغال" المونديال، بعد أن فرض المنطق نفسه، وبقيت المغرب وحدها في مواجهة الكبار، كاتبة بنور الشفق عنوانًا مفاده الوصول ولأول مرة إلى دور ربع النهائي لمنتخب عربي.
تألق نجوم المغرب وقدموا أوراق اعتمادهم بين كبار العالم، في ليلة مونديالية جميلة، افترسوا فيها ثيران اسبانيا، ولسان الحال: "من عاش أبد الدهر يروّض الثيران، فلا ينتظر منه ترويض الأسود، لأن المكان ليس مكانه ولا الزمان زمانه".
هي المرة الأولى التي نشعر فيها أننا كـ "عرب"، على قلب رجل واحد وخلف راية واحدة، فخفقت القلوب بحب المغرب وتعالت الدعوات والصيحات تهليلًا وفرحًا بإنجازها الفريد ومجدها التليد، رقصت (مراكش، وكازابلانكا، والقاهرة، وعمّان)، وغنّت معها (الرياض، والدوحة، وصنعاء، وعدن، ومسقط) وصفّقت لها طربًا (أبو ظبي والمنامة والخرطوم وطرابلس والقدس العربية وتونس والجزائر)، وغيرها، وأنشد الجميع لحن الخلود: (عشت في الأوطان *** للـعلـى عنوان) يا المغرب.
المنتخب المغربي منع اسبانيا حتى من زيارة مرماه في ركلات الترجيح ليعبر إلى الدور القادم بجدارة واستحقاق، هو عبورٌ للتاريخ، نسج خيوط ألقه الركراكي وكتيبة الأسود، وهي لا شك البداية، التي نأمل إلا تكون النهاية، فما زال في جراب حاوي المغرب الكثير، فقط سلوا الأخطبوط (بونو) وهاتفوا زياش وتحدثوا مع حكيمي والنصيري ومرابط وبوفال وسليم أملاح، فعند جهينة الخبر اليقين.
كسب المغرب المباراة عفوا "العرب"، وأخذ انريكي كرته لمطار الدوحة الدولي ليستكمل الاستحواذ هناك، فلا مكان له إلا هناك، أما ملاعب لوسيل والبيت والثمامة والمدينة التعليمية و 924، فلا مكان فيها، إلا لوالد مورينيو (ياسين بونو)، الذي حصد جائزة (زامورا) هناك في الملاعب الاسبانية الموسم الماضي، وبعثهم إلى المطار لإن ضيافتهم استمرت أكثر من اللازم حتى باتت عالة.
لم يعد لديكم أيها الاسبان إلا أن تتذكروا "حكيمي" وهو يُكرم رحلتكم إلى مدريد بطريقته الخاصة وببصمة لن تنسوها مدى الحياة، خلص الكلام، ولم يبق شيء إلا الفرح وانتظار المواجهة القادمة أمام البرتقال، وأجزم يقينًا أن ثقة المغاربة اليوم أكبر من أي أسم أو منافس، شكرا الركراكي وبونو وحكيمي وزياش، شكرًا لأسود الأطلس على أول ربع نهائي في التاريخ العربي.