كسر عدد متزايد من النساء الكويتيات صمتهن وشرعن في الحديث عن آفة التحرش والعنف التي يلاقينها في الشوارع والطرق السريعة ومراكز التسوق، وذلك عبر حملة #لن_أسكت على غرار #أنا_أيضا و#أنا_كمان، وهي الحملات التي باتت تنتشر على نطاق واسع لتسليط الأضواء على التحرش.
كانت أبرار زنكاوي تجوب الشاطئ في مدينة الكويت عندما رأت رجلا يلوّح ويبتسم في مرآة الرؤية الخلفية، ثم اقترب منها وقاد نحوها سيارته لتنقلب سيارتها، التي كانت تحمل بنات أخيها الصغيرات وشقيقتها وصديقها، ست مرات.
وأمضت زنكاوي، البالغة من العمر 34 سنة، أشهرا في المستشفى بسبب كسر أصابها في العمود الفقري.
وقالت إن الوضع يعتبر طبيعيا هنا، فالرجال يقودون سياراتهم قريبا جدا لتخويف الفتيات، ويطاردونهن إلى بيوتهن، وإلى مقرات عملهن، ويجدون في ذلك متعة.
لكن هذا الوضع بدأ يتغير مع تزايد تحدي النساء لمجتمع الكويت الأبوي العميق. وشهدت صفحة على إنستغرام تدفق شهادات النساء اللاتي ضقن ذرعا من الخوف أو الهجمات في بلد لا يعرّف فيه القانون الجنائي التحرّش الجنسي ويسلط عقوبات مخفّفة على الرجال الذين يقتلون قريباتهم بسبب أفعال تتعلق بالشرف. كما بدأت وسائل الإعلام التقليدية تتعرض لموضوع المضايقات في تعاط حذر.
ربما جاءت الشرارة من مدونة الموضة آسيا الفرج، التي تحدثت في يناير على سناب شات للملايين من متابعيها بعد أن طاردها رجل في سيارة مسرعة.
وقالت الفرج لوكالة الأسوشيتد برس “إنه أمر مرعب، طوال الوقت تشعر بعدم الأمان. تقع المسؤولية دائما على عاتقنا”.
وسعت شيماء شمو، وهي طبيبة تبلغ من العمر 27 عاما، إلى اغتنام زخم فيديو الفرج، فأنشأت صفحة على إنستغرام سمّتها “لن أسكت”. إذ كان غضبها يتراكم منذ أسابيع وفي ديسمبر، سمعت عن طعن موظفة في البرلمان الكويتي حتى الموت على يد شقيقها البالغ من العمر 17 عاما، وذلك لأنه لم يكن يريدها أن تعمل حارسة أمن.
وكانت هذه ثالث حالة توصف بأنها من “جرائم الشرف” تتصدر عناوين الصحف في غضون عدة أشهر.
وقالت شامو “كان الصمت يصمّ الآذان. فكرت أن هذا يمكن أن يحدث لي، ويمكن لأيّ شخص أن يفلت مع ذلك”.
لكن القيود المفروضة من أجل إبطاء انتشار فايروس كورونا منعت شامو من تنظيم احتجاج وأجبرتها على نقل شكواها إلى الإنترنت. ودفع حساب “لن أسكت” التحرش الجنسي إلى الأضواء.
ومن هناك، انتقلت المحادثة إلى وسائل الإعلام التقليدية. وخرجت صحافية معروفة في جريدة القبس مع كاميرا خفية أظهرت راكبي الدراجات النارية وهم يحاولون لفت انتباهها بتهوّر، رجال يصرخون بشتائم جنسية في الشارع وغرباء يسحبون شعور المارة من الإناث، وقدّمت بذلك دليلا للملايين في الكويت على التحرش الذي تصفه النساء.
وقالت نجيبة حياة، التي ساعدت في تنظيم حملة “لن أسكت”، التي تعمل على تنظيم حملة إعلانية لزيادة الوعي، وإنشاء تطبيق يسمح للنساء بالإبلاغ عن الانتهاكات للشرطة دون الكشف عن هويتهن “لقد أخفت كل فتاة هذا الأمر لفترة طويلة”.
ومع اكتساب حركة “لن أسكت” زخما كبيرا بلغ صداه الجهات الرسمية والبرلمان، وقدم سبعة نواب تعديلات على قانون العقوبات من شأنها تعريف التحرش الجنسي والمعاقبة عليه، بما في ذلك التعديل الذي دعا إلى فرض غرامة قدرها 10 آلاف دولار والحكم بالسجن لمدة عام.
لكن نشطاء حقوق المرأة يشككون في أن تؤدي المقترحات إلى تغيير كبير، لاسيما مع الأزمة المالية ومع تعليق البرلمان الآن بسبب المواجهة السياسية.
وبات الإحباط مألوفا بالنسبة إلى الناشطة نور المخلد التي كافحت لسنوات مع نساء أخريات، حيث حاولن إلغاء قانون يصنّف قتل النساء اللاتي وقعن في “زنا المحارم” على يد آبائهن أو إخوتهن أو أزواجهن كجنحة ويحدد العقوبة القصوى بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
كما تمنح الكويت منافذ تسمح للخاطفين بالتهرب من العقاب بالزواج من ضحاياهم وتمكين الرجال من “تأديب” قريباتهن. وقالت المخلد “في الكويت، لا يمكن أن يكون هناك تغيير قانوني دون تغيير ثقافي، وهذا لا يزال مقبولا ثقافيا”.
وظهر عدد متزايد من التجمعات النسائية، في المنازل وعلى مواقع الدردشة مثل زوم، وكلوب هاوس الذي يسمح بالتجمع في غرف الدردشة الصوتية، لإجراء مناقشات حول الاعتداء والتحرش الجنسيين.