انتقدت صحيفة "واشنطن بوست"، في مقال رأي للكاتب ديفيد إغناسيوس، حملة الضغط الشرسة التي يقودها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لإجبار سعد الجبري، بصفته أحد كبار ضباط المخابرات السابقين في المملكة، على العودة من منفاه في كندا. واعتبر المقال أن الضغوط التي تستهدف الجبري، الذي لعب أدواراً رئيسة في حرب المملكة على تنظيم "القاعدة"، وفي تنسيقها الأمني مع الولايات المتحدة الأميركية، تجعل بعض ضباط الاستخبارات الأميركيين والبريطانيين يحسون بتأنيب الضمير إزاء ما يتعرض له بالنظر لدوره في إنقاذ أرواح الأبرياء من العمليات الإرهابية. وأورد المقال ما جاء على لسان نجل الجبري، خالد، الذي يعيش في كندا أيضاً، وقال إنّ القوات الأمنية السعودية أوقفت، منذ مارس/ آذار الماضي، اثنين من أبناء الجبري البالغين وأحد أشقائه. وتابع: "لقد مضت أسابيع ولا نعرف مكانهم"، مضيفاً: "لقد تمّ اختطافهم من أسرّتهم. لا أعرف حتى ما إذا كانوا أحياء أو أمواتاً". ويقول نجله ومسؤولون أميركيون سابقون عملوا معه، إنّ بن سلمان يريد إجبار الجبري على العودة إلى السعودية لأنه يخشى ترك شخص لديه إمكانية الوصول إلى قدر كبير من المعلومات السرية طليقاً.
ويعد الجبري أحد أهم رجال الاستخبارات والأمن في تاريخ السعودية، حيث عمل مساعدا شخصيا وموثوقا للأمير محمد بن نايف، ولي العهد ووزير الداخلية السابق الذي عُزل من مناصبه بانقلاب أبيض قاده بن سلمان منتصف عام 2017. وترقى الجبري، الذي يحمل درجة الدكتوراه في الذكاء الصناعي من جامعة أدنبرة الإسكتلندية، ليصبح الذراع اليمنى للأمير محمد بن نايف، وأحد قادة ما عرف بالحرب على "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، والتي اشتعلت ضراوتها بعد عام 2003 حينما قرر زعيم التنظيم السابق أسامة بن لادن شن حملات هجومية واسعة داخل السعودية ومواجهة النظام السعودي، عبر سلسلة تفجيرات استهدفت أماكن متعددة داخل البلاد. وبحسب مقال "واشنطن بوست"، فإن أصدقاء الجبري يرون أنه من الواجب على الحكومات الغربية التي قدم لها مساعدته طيلة سنوات مد يد العون إليه الآن. "من منظور أخلاقي، يتعين علينا مساعدته في محنته هذه"، كما جاء في تصريح أدلى به للصحيفة مسؤول استخبارات بريطاني سابق، متحدثا بالنيابة عن عدد من زملائه.
"ما يحدث له ولعائلته ظلم"، بحسب تصريح مايكل موريل، المدير المكلف السابق لوكالة الاستخبارات المركزية "سي أي ايه" في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. موريل شدد على أن "العمل الذي قام به الجبري أنقذ حياة السعوديين والأميركيين، داخل المملكة وخارجها"، قبل أن يضيف "أنا أستطيع أن أضع حياتي بين يديه، وحياة عائلي. لا أتصور إطلاقا أن يقوم بالتآمر على حكومة بلاده".
الأمر نفسه عبر عنه جورج تينيت، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية "سي أي ايه" في عهد إدارتي الرئيسين بيل كلينتون وجورج بوش الابن، الذي قال في إحدى المقابلات "لقد كان شخصاً يعتمد عليه كثيراً"، حيث عمل الاثنان منذ 2003 على إنشاء أنظمة أمنية سعودية حديثة لمحاربة تنظيم "القاعدة" واختراق صفوفه بفروعه باليمن. ويخشى الجبري من أن يكون مصيره مثل مصير اللواء علي القحطاني، مدير مكتب أمير الرياض السابق تركي بن عبد الله آل سعود، والذي قُتل نتيجة التعذيب في سجن "ريتز كارلتون" في الرياض أواخر عام 2017، حيث لا تتسامح الأجهزة الأمنية التابعة لولي العهد مع مساعدي الأمراء السابقين، نظراً لما يمتلكونه من معلومات مهمة اطلعوا عليها بحكم عملهم، إضافة إلى معرفتهم بأسرار ثروات الأمراء الذين يعملون لديهم، والتي يطمع بن سلمان في الاستيلاء عليها.
وقال أحد أفراد حاشية أمير سعودي يعيش كلاجئ في لندن، وهو قريب له من الدرجة الأولى أيضاً، لـ"العربي الجديد"، إن الأمراء وأمهاتهم الثريات ومساعديهم البارزين يمشون في عواصم العالم وهم يتلفتون خوفاً من الاختطاف على يد الأجهزة الأمنية السعودية، وإن قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، ومن قبلها تعذيب القحطاني حتى الموت، واختفاء الأمير تركي بن عبد الله، وانقطاع أخباره حتى الآن، أوضحت إلى أي حد يمكن لمحمد بن سلمان أن يصل في سبيل الحفاظ على حكمه من أي تهديد يشك بوجوده.