من هي حسناء الشرق التي اختفت عقدين وعادت في رمضان؟

اختيار المحرر
قبل سنتين I الأخبار I اختيار المحرر

وسط تخمة من الإعلانات الرمضانية التي تعج بها القنوات المصرية ويشارك فيها فنانون ورياضيون ومطربون، كانت ثلاث دقائق فقط كافية ليخطف إعلان للفنانة شريهان لصالح إحدى شركات الاتصالات الأضواء من الجميع.

لم يكن التأثير القوي للإعلان مرتبطا بمحتواه وديكوراته وموسيقاه، بل لأنه أعاد تقديم الفنانة الاستعراضية شريهان، كأيقونة لفوازير رمضان في الماضي، والتي اختفت نحو عقدين وعادت لتغني وترقص وتبث رسائل للأمل في نفوس المحبطين.

لم يعاصر الجيل الحالي الفنانة شريهان، لكن عددا كبيرا منهم سمع عنها وتوقف أمام الكلمات العاطفية التي انهالت عليها ممن عاصروها خلال فترة تألقها وقبل اختفائها، وهناك من تمايل مع أغنيتها في الإعلان الترويجي، بينهم الإعلامي عمرو أديب الذي اعترف على الهواء بأنه انتفض ليرقص كما الطفل بمجرد أن شاهدها على الشاشة.

غياب لا يعوّض

ارتبط الحنين إلى شريهان وعصرها الفني بكونها منحت حياتها لتسعد الناس عبر فوازير وأفلام ومسرحيات مثلت لجيل الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي معنى حقيقيا للبهجة والمتعة الفنية.

لا تدرك مطربات وممثلات وراقصات كثيرات حاولن تعويض غياب شريهان، أنها عندما خرجت من المشهد الاستعراضي بدت كمن يوصد الباب خلفه لظهور موهبة تنافسها الريادة، فإذا كانت شريهان خليفة للفنانة نيللي، فلم تأت واحدة بعدها لتعلن عن وراثتها لعرش الاستعراضات.

وصفت بالموهوبة التي أدت أدوارها التمثيلية بالروح والجسد وقدمت استعراضات مصحوبة بالمرح وخفة الظل، واستطاعت بمرونة المزج بين العديد من الفنون في توقيت واحد، الرقص والغناء والتمثيل والاستعراض.

أحبها جمهورها بطريقة قد يصعب تكرارها، ولقبها بحسناء الشرق، وكان موعد عرض فوازيرها كل مساء في رمضان، تخلو فيه الشوارع من المارة تقريبا، وتجتمع الأسر المصرية أمام الشاشة للاستمتاع بها والتفكير في حل ألغازها التي تقدمها على الشاشة، وبدت لكثير من الشباب فتاة أحلامهم، ورأت فيها فتيات مثلا أعلى وأيقونة للفن والجمال والموسيقى.

احتفظت شريهان بصورة عجيبة لدى قطاع كبير من جمهورها، على الرغم من انسحابها من الساحة الفنية وهي في ذروة تألقها، بفعل ظروف صحية صعبة، وعندما عادت مع بداية شهر رمضان لم تفقد بريقها، ما أثار دهشة عشاقها عن سر مرونتها بعد أن تجاوزت الخمسين عاما، وبحثوا عن أسباب احتفاظها برشاقتها.

الإعلان الترويجي الذي يعرض في رمضان الحالي يظهر شريهان فتاة في العشرينات، حيث الشعر الطويل واللياقة غير العادية والتمايل الذي يوحي بأنها ترقص دون عمود فقري، وهي تروي جوانب من حياتها بلوحات استعراضية

ظهرت شريهان في الإعلان الترويجي كفتاة في العشرينات، حيث الشعر الطويل واللياقة غير العادية والاستعراض والتمايل الذي يوحي بأنها تتراقص دون عمود فقري، مصحوبة بأغنية للمطرب العراقي كاظم الساهر كأنها فُصّلت على مقاسها وتقول كلماتها “كل ما تكبر تحلى”.

تأثر كثيرون بالطريقة التي ظهرت بها شريهان بعد اختفاء فني طويل، ولخص الإعلان رحلة حياتها ومعاناتها وانكساراتها حتى عادت قوية لا يستطيع أحد الوقوف في وجهها، وبعثت برسالة أمل لجمهورها ومن اعتقدوا أنها فارقت الحياة الفنية، وتنير الطريق لهم ليعبروا الصعاب.

قالت في الإعلان “راجعين أقوى وطايرين، وعلى مين، عالصعب فحياتنا متعودين، الدنيا بقت لعبتنا، ومكملين، مهما الدنيا تحدتنا تتحدى مين، وعلى مين؟”، فقد أرادت أن تعود بطريقة استثنائية وتصبح ملهمة للسعادة والبهجة.

عرفت شريهان (57 عاما) بين الجمهور بأنها نجمة الأحزان قبل أن يمنحها لقب فراشة السعادة، لما مرت به في حياتها من صدمات حياتية. وقد ولدت لأسرة مصرية ميسورة، ووالدها المحامي الراحل أحمد الشلقاني الذي تزوج من والدتها سرا، وهي أخت غير شقيقة لعازف الغيتار الراحل عمر خورشيد.

دفعت فاتورة باهظة لزواج والدتها سرا، حيث توفي والدها وأنكرت عائلته نسبها إليها، واتهمتها بادعاء النسب لتشارك في ميراثه، وخاضت معارك قضائية كثيرة وهي في ذروة شبابها حتى أثبتت المحكمة نسبها لوالدها أحمد الشلقاني.

وجدت في شقيقها عمر خورشيد الأب والأخ والصديق والسند، حيث وقف بجوارها لتحقيق حلمها بأن تكون نجمة تلفزيونية، كما تريد هي ووالدتها، وأحضر لها أشهر المدربين لتتعلم فن الإلقاء، وجلب لها خبراء لتتدرب على الرقص والأكروبات.

طاقة لا تعرف اليأس

كانت تعيش مع والدتها في نفس البناية التي يعيش فيها عمالقة نجوم الفن آنذاك، أمثال فاتن حمامة ورشدي أباظة وسامية جمال وليلى فوزي، وعلى بعد أمتار قليلة من منزلها، كان يسكن عبدالحليم حافظ وأم كلثوم، ما جعل الفراشة الصغيرة ترث مبكرا كل ألوان الفن.

علاقة شريهان القوية بأخيها الموسيقار عمر خورشيد سهلت لها مهمة التواصل المباشر مع كبار رموز المهنة، وأصبحت مدللة عندهم، تغني وترقص أمامهم وهي طفلة. بدأت حياتها بالمشاركة في برامج الأطفال، وبعدها أنتجت لها والدتها “مسلسل المعجزة” كأول عمل تلفزيوني درامي، وأعجب بها الفنان محمد صبحي، وتبناها وعلمها دهاليز المسرح، وانطلقت بعدها لتشارك في أكثر من عمل درامي مخصص للصغار وهي لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها.

تعرضت لصدمة كبيرة مع رحيل خورشيد سندها في مشوارها الفني، خلال حادث سير، وتلقت نبأ وفاته في أثناء وقوفها على خشبة المسرح أمام الفنان الراحل فؤاد المهندس، وقت عرض مسرحية “سك على بناتك” عام 1981، ومن حزنها على رحيله أصيبت بشلل مؤقت جعلها عاجزة عن الحركة لفترة، وبعد فترة جاءتها صدمة أكبر مع وفاة والدتها.

تغلبت على أحزانها وعادت رافضة التراجع خطوة واحدة إلى الوراء، بعدما وضعت قدميها على سلم النجومية والوصول إلى مكانة عجزت الكثير من نجمات السينما والتلفزيون وقتها عن الوصول إليها، وساعدها الأب الروحي لها الفنان فؤاد المهندس، حيث وقف بجوارها حتى خرجت من دوامة اليأس.

شريهان التي توصف منذ طفولتها بالموهوبة أدت أدوارها التمثيلية بالروح والجسد وقدمت استعراضات مصحوبة بالمرح وخفة الظل، مازجة بين العديد من الفنون في  وقت واحد، كالرقص والغناء والتمثيل

عادت بأعمال سينمائية مازالت محفورة في أذهان الجمهور، مثل “العذراء والشعر الأبيض”، و”خلي بالك من عقلك”، و”شارع السد”، و”الخبز المر”، وزاد توهجها في الفوازير الاستعراضية ومن أشهرها، “ألف ليلة وليلة”، و”حول العالم”، و”حاجات ومحتاجات”.

اضطرت للابتعاد عن الفن لفترة طويلة إثر تعرضها لحادث بسيارتها عام 1989، تسبب في إصابتها بكسور بالغة في القدمين والعمود الفقري، ما استدعى سفرها إلى فرنسا لإجراء أكثر من عملية جراحية، وهو الحادث الذي خلّف وراءه علامات استفهام كثيرة، ولم يتم فك شفرته إلى اليوم.

هناك من ربطوا الحادث بأسرة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وأذرعها الأمنية، بعدما انتشرت صورة لابنه جمال وهو يحضر كواليس تصوير فوازير شريهان ويجلس بجوار المخرج فهمي عبدالحميد، والبعض ردّد آنذاك أن علاء، الابن الآخر للرئيس معجب بها ويريد الزواج منها، وقيل إنه جرى التخلص منها بتدبير الحادث، وهي الأنباء التي نفاها مدير أعمالها جمال أنور، لكن شريحة كبيرة من المصريين مازالت تعتقد بصدق الرواية الرائجة.

في كل مرة، كانت تواجه صدماتها بهدوء، وتختلي بنفسها حتى تقوى، لا تريد أن تكون فنانة تبث اليأس والإحباط في نفوس الناس، بعد رحلة طويلة ظلت فيها مثالا للجمال والبهجة، حتى تعرضت لمحنة أكبر بإصابتها بمرض السرطان.

صناعة الأمل

كانت التجربة بالغة الصعوبة، خرجت منها بأعجوبة، وأمام إحساسها بعدم القدرة على تقديم نفسها للناس كفراشة تتمايل وتتراقص، قررت أن تكون ملهمة على هيئة ثائرة تمردت ضد النمطية والتقليدية والفتاوى الدينية التي كانت تحرم رقصها وفوازيرها وملابسها الاستعراضية، وتحدت أزماتها وأحزانها، وتمسكت بأن تظل الفنانة التي ارتبط اسمها بصناعة الأمل.

في ذروة الغضب ضد نظام مبارك وتنامي الشعور باقتراب الثورة عليه، كتبت على صفحتها الشخصية “وصلت إلى درجة أنني أحيانا أشتاق إلى رؤية ملامح الناس الحقيقية، هذه هي الضريبة، مع الأسف، لا بد أن أدفع الثمن وأن أختار بين الشهرة والحرية”، كأنها كانت رسالة اعتزال مبكر من الفن إلى السياسة، وبعد سنوات صارت رمزا في ميدان التحرير الشهير في القاهرة، والذي كان مقرا للتظاهرات ضد نظام مبارك مع اندلاع ثورة 25 يناير 2011.

خلعت عباءة الاستعراضات وارتدت ثياب المرأة المناضلة ونزلت إلى الميدان في اليوم الأول للثورة بالتيشيرت الأبيض والنظارة السوداء. ولم تراقب المشهد من بعيد كما فعل البعض من الفنانين والفنانات لحين معرفة اتجاه الثورة ومصيرها، بل كانت حاضرة بقوة في ميدان التحرير، وناطقة بلسان الثوار في بعض القنوات الفضائية ترصد مطالبهم، وطالبت بتدخل الجيش وتأييد مطالب المتظاهرين.

سقط نظام مبارك، لكنها لم تغادر الميدان، وظلت تحفز الثوار على الضغط المتواصل للقصاص لدماء الشهداء، وقادت المتظاهرين في مسيرة طافت بعض شوارع القاهرة في الجمعة التالية لرحيل مبارك في 11 فبراير من العام نفسه.

سياسية متمردة بدأت الحرب الإعلامية ضد شريهان من قبل بعض القنوات والصحف المصرية بعد قيامها بدور حيوي في حشد المتظاهرين للتصويت برفض التعديلات الدستورية التي جرت بعد الثورة، ودفعت ثمن هتافها بسقوط المجلس العسكري الحاكم الذي جاء بعد تنازل مبارك عن الحكم، وجرى تصنيفها كفنانة محسوبة على جماعة الإخوان التي تصاعد حضورها في الأيام التالية للثورة.

منحها الإخوان صك الفنانة البطلة لمجرد أنها جاءت على هواهم، حتى صفعتهم على وجوههم في أقرب مناسبة، وشاركت في مسيرة حاشدة ضد نظام الرئيس الإخواني محمد مرسي، اعتراضا على إصداره إعلانا دستوريا مشوها، وقادت المتظاهرين بالهتاف الشهير “يسقط يسقط حكم المرشد”، وتبرعت بالمقر الرئيسي لحملة “تمرد” التي جمعت نحو 30 مليون توقيع من المواطنين للمطالبة برحيل الرئيس مرسي.

الإخوان منحوا شريهان صك الفنانة البطلة، غير أنها صفعتهم على وجوههم في أقرب مناسبة، وشاركت في مسيرة حاشدة ضد نظام الرئيس محمد مرسي، وفي ذروة التفاف الشارع حول الرئيس عبدالفتاح السيسي، باعتباره من أنقذ البلاد من حكم الإخوان والفاشية الدينية، كانت شريهان أكثر جرأة في معارضته

في ذروة التفاف الشارع حول الرئيس عبدالفتاح السيسي، باعتباره من أنقذ البلاد من حكم الإخوان والفاشية الدينية، كانت شريهان أكثر جرأة في معارضته، واستمرت في ارتداء ثياب الفنانة الثائرة ضد كل ما يتناقض مع قناعاتها.

لم تتطوع شريهان بالغناء للسلطة الجديدة، كما فعل الكثير من زملائها أو تسعى للتقرب من دوائرها المتعددة وتحظى بمكانة استثنائية، اختارت أن تظل ملهمة في الظل، وأعربت عن استيائها الشديد من تدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، ووجهت رسالة إلى الرئيس السيسي طالبت فيها أن يكون أكثر حسما في مواجهة الفوضى والفساد.

واصلت في رسالتها عبر حسابها بموقع تويتر “يا رئيس الجمهورية، انهيار التعليم، والصحة، والفن، والثقافة، نتيجته الطبيعية الجهل والفقر والإرهاب. أين العدالة الاجتماعية، لا أعتقد أن أمامنا رفاهية في تغيير وتقلب الحكومات ببرامجها على حسب تغيير شخص ودراسة وفكر وخطة كل وزير مسؤول.. كفاكم ما يحدث”.

توارت شريهان سنوات طويلة، لكنها ظلت نجمة عندما تعود تخطف الأضواء، وبقي جمهورها وفيا لها، كإنسانة وفنانة، وباتت فزورة يصعب حل ألغازها بسهولة، وأيقونة فنية وسياسية يصعب تكرارها، لذلك يتمنى كثيرون ألا تختفي مرة أخرى، وتنتهز فرصة نجاحها في الإعلان الترويجي لتواصل مسيرتها الفنية.