نادين نجيم فنانة تتنقل بسلاسة بين شخصيتي المرأة البائسة والثرية

اختيار المحرر
قبل سنتين I الأخبار I اختيار المحرر

يثير أداء الفنان لشخصيتين مختلفتين داخل عمل واحد في العادة جدلا واسعا، حيث ترى شريحة غير قليلة من النقاد أنه تسطيح للعمل ويقلّل من مصداقية الشخصيات. فغالبا ما يطغى تقمّص شخصية على الأخرى، ويعجز الممثل أو الممثلة عن التعبير عنهما بعمق وتجسيد المشاعر ذاتها.

لكن النجمة اللبنانية نادين نسيب نجيم كسّرت هذا التقدير أو المعتقد الفني في مسلسل “2020” المعروض حاليا على شاشة “أم.بي.سي”، حيث لعبتْ شخصيتي النقيب “سما” سليلة الأسر الراقية والفتاة الشعبية “حياة”، بأداء متقن، تخلّت فيه عن كل مقوّمات الشكل لتعطي كل دور حقه بتلقائية ومهنية عالية.

وقالت نجيم في حوار مع “العرب”، إنها بذلت مجهودا مضنيا في رسم أداء مقنع للمشاهدين لشخصيتي سما وحياة، وإظهار الفروق الجوهرية بينهما. فالأولى نقيب عسكري من حي راقٍ، والثانية تقطن في حي شعبي طحنه الفقر، ومفردات اللهجة وطبيعة الحديث بينهما جاءت مختلفة وتطلبت فصلا تاما.

واستوحت الفنانة اللبنانية شخصية حياة من الحي الذي شهد أعمال التصوير فيه واختلاطها بالمناطق الشعبية في حياتها اليومية، علاوة على أن والدتها من جنوب لبنان، ما جعلها تجيد لهجة أبنائه، بينما تطلّبت تأدية شخصية سما تدريبا كاملا على استخدام الأسلحة والجلوس مع بعض رجال الأمن لمعرفة تفاصيل حياتهم وتصرفاتهم في المواقف المتباينة، ما مكنها من تجسيد الشخصية بقدر كبير من المصداقية.

معايشة البيئة النجمة اللبنانية تسير بخطوات ثابتة نحو العالمية بفضل تنويع الأدوار وتعميق الأداء بمزجه بالتجارب الحياتية

أضافت نجيم لـ“العرب” أنها اعتادت أن تمنح كل شخصية تلعبها على الشاشة حقها الكافي بتقديم أبعادها المختلفة والغوص في أعماقها وصولا إلى التقمّص الكامل، ورغم ذلك لا تعاني من مشكلة انعكاس هذه الشخصيات على حياتها الطبيعية فور انتهاء العمل بفصلها بين الجانبين.

وأكّدت أن بعض العبارات والألفاظ التي جذبت الجمهور العربي في شخصية حياة كانت من بنات أفكارها الذاتية مثل “نهنه، وأيون، ودوبنا” لخلق “لازمة” أو عادة من العادات الخاصة بحياة ابنة الحي الشعبي ومنحها حضورا أكبر في الواقع.

وتحمل الشخصيتان اللتان جسّدتهما نجيم مقومات النجاح، من إثارة إحداهما التعاطف عن ضابطة جيش تسعى للثأر من مقتل شقيقها على يد زعيم عصابة وتاجر المخدرات “صافي” (الفنان السوري قصي خولي)، وأخرى لفتاة تتعرّض للضرب والسب المستمر أمام أهالي الحارة الشعبية فتستدر عطف أبنائها، لتدخل بيت تاجر المخدرات عبر والدته التي ترحّب بإقامتها في بيتها.

ويعتقد قطاع عريض من الجهور أن عنوان المسلسل مرتبط بعام 2020، لكن نجيم قالت إنه يحمل اسم القضية التي كان يحقّق فيها شقيقها، واعتبرت أن أحد أسباب نجاح العمل هو القدرات التمثيلية الكبيرة لطاقمه، حتى ضيوف الشرف مثل المطرب رامي عياش الذي قدّم شخصية الضابط العسكري ببراعة وظهر في حلقة واحدة، أو الفنانة كارمن لبس وأدّت دور “الدرويشة” التي تعاطفت مع الآخرين بمنتهى الصدق.

ويتّسم العمل بصعوبة تصنيفه في نطاق ضيق، فهو حركة واجتماعي ورومانسي وبوليسي في الوقت ذاته، مع فكرة الثأر التي تتماشى مع معالجات أخرى لقضايا البيئة الشعبية اللبنانية ومشاكلها من الفقر دون انحراف في الوقت ذاته، خوفا من اعتبار ذلك بمثابة تبرير لتوجه بعض القاطنين في المنطقة نحو العنف أو الاتجار في المخدرات.

ورغم التناول المتوازن للمسلسل، لكنه صادف هجوما من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بذريعة أنه يكرّس “البلطجة” خاصة مع مضي الأحداث حاملة معها بداية تشكّل علاقة حب بين البطلة وتاجر المخدرات المتهم بقتل شقيقها.

ويرى طاقم العمل أنه لا يوجد شخص شرير بالمطلق، فالإنسان يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها وتؤثر فيه، فالإقامة في المناطق الفقيرة قد تدفع بعض قاطنيها إلى ارتكاب العنف دون الشعور بذلك، لكن تظل بداخلهم طيبة دفينة يمكن أن تعود بهم إلى الطريق المستقيم مرة أخرى، فتاجر المخدرات القاسي شديد الضعف أمام والدته.

وأوضحت نجيم لـ”العرب” أن “2020” عمل فني مكتمل الجوانب وحظي بتقييم جيد من الجمهور والنقاد بسبب ثقل القضايا التي يتناولها وعقلانية وواقعية التناول الذي تطرّق إلى شخصيات من لحم ودم تعيش معنا، كالأم التي تغلب عاطفتها على عقلها، أو المحامي الذي يدافع عن موكله سواء أكان ظالما أم مظلوما.

وأسهمت القصة التي تتضمّن قدرا من المأساوية في إظهار قدرات نجيم الدفينة، مثل مشاهد دفن شقيقها وأداء زملائه التحيّة العسكري له، أو الصراع التقليدي بين المرأة العاملة التي تخدم وطنها وأمومتها حال إنجابها طفلا مريضا يحتاج إلى العناية، كما لعب المخرج فيليب أسمر دورا مهمّا في إظهار حجم كبير من معاناة البطلة، وهو ما تكشفّت ملامحه في مشاهد تعرّضها للضرب.

زخم درامي كبير

اكتسب المسلسل زخما دراميا أيضا مع قيام السلطات السعودية بضبط كميات كبيرة من أقراص الكبتاغون والحشيش في شحنات فاكهة قادمة من لبنان، وهي الطريقة التي كان تجار المخدرات يعتمدون عليها في مسلسل “2020” ليثير تساؤلات كثيرة لدى الجمهور، من نوعية هل الأمر كان مصادفة أم أن العمل الفني كان يمثل تشريحا لآفات الطبقات الشعبية في لبنان وكلفة عدم الاهتمام الرسمي بها؟

وتجيد نجيم اختيار الورق والشخصية التي تمثلها، فتنوّعت أدوارها باستمرار بين السيدة العصرية والبدوية والغجرية، وفي غالبية تلك الأعمال تقدّم رسالة خفية يمكن التقاطها بسهولة عن المهمّشين الذين أهملتهم الحياة، فجاء الحب ليدعمهم ببعض الإنصاف ويضيء لهم بريق ضوء في النفق المظلم.

واستطاعت الفنانة اللبنانية خلق ثنائيات فنية مع أسماء درامية كبيرة، مثل معتصم النهار وتيم حسن وعابد فهد ويوسف الخال، متمسكة بأسلوب إتقان الشخصية أولا والتضحية بأي جوانب شكلية من أجل وصولها إلى الجمهور، وتغيير جلدها في الأدوار التي تؤدّيها حتى لو كانت ضيف شرف لمنح نفسها فرصة للدراسة المتأنية للأدوار.

ومع شحنات الدراما المتدفقة التي تضمنها “2020” تبدأ نجيم قريبا في تصوير مسلسل بعنوان “صالون زهرة” وهو عمل رومانسي كوميدي، لا يخلو من الرسائل الأنثوية التي تتضمنها جميع أعمال الفنانة اللبنانية، حيث ترى أن دعم المرأة أحد واجباتها كفنانة على المستوى الدرامي أو حتى في الحياة العادية عبر التواصل الاجتماعي لشحن نفسية بنات جلدها بالطاقة الإيجابية.

وأشارت نجيم في حوارها مع “العرب” إلى أن تجسيد الشخصية لديها لا يعتمد على الورق فقط، لكن هي توليفة كاملة تتضمن الخبرات التمثيلية والموهبة وقراءة الكتب وكمّا من البحث الميداني حولها، وتطعيمه بالخبرة الحياتية الناجمة عن التعاطي مع البشر التي تجتمع كلها في النهاية لتنتج الشخصية التي يتم أداؤها أمام الكاميرا.

وأبدت الفنانة اللبنانية سعادتها بترجمة أعمالها إلى بعض اللغات الأجنبية، وتراه دليلا على نجاح العمل في مخاطبة الجمهور، خاصة أنها تطمح أن تصل أعمالها إلى العالمية، وهو أمر بات مسألة وقت لتحقيقه بعدما أصبح مسلسلها حاضرا بقوة في الموسم الرمضاني الحالي، ويحتل مرتبة متقدّمة في الأعمال العربية الأكثر مشاهدة.