قبل نحو خمسة أعوام من اليوم وتحديداً في الحادي عشر من شهر يونيو 2015م استطاعت بندقية المحارب الحوشبي قهر اعتى ترسانة حربية يمنية غازية لأرض الجنوب، في ذلك التأريخ المشرف والمجيد توشحت بلاد الحواشب وعاصمتها المسيمير بوشاح النصر وزفت شهدائها الميامين في مواكب اعراس فخراً واعتزازاً بشموخ وكبرياء الرجال الصناديد، في هذه اللحظة الفارقة والفاصلة من تأريخ الجنوب المعاصر وضعت المسيمير تاجها على رأس ثورة هذا الشعب وقدمت فلذات اكبادها قرباناً لتحقيق النصر.
من بين انقاض القهر والظلم ولدت المواقف العظيمة واتضحت الأدوار البطولية لرجال طالما عاشوا مجهولين لا يعلم ببأسهم ورباط جأشهم وجسارتهم الكثير من الخلق، ومن بين أحضان المجد التليد ترعرعت البطولات وسطرت الملاحم العظام..
منذ ان اجتاحت آلة الحرب العدوانية التابعة لمليشيا الحوثي اليمنية المدعومة من إيران مناطق المسيمير انبرى عظماء وجهابذة هذه الأرض المعطاءة لمواجهة ذلك الغزو بسلاح البندقية وبإرادة صلبة غير عابئين بالفرق الشاسع بينهم وبين عدة الأعداء وعتادهم العسكري والحربي.
ومن تلك اللحظة الفارقة والمسيمير حاضرة لتقديم ابناءها فداء لهذا الوطن الغالي، في كل المحطات المفصلية كانت تداري ألامها وتواري جثامين رجالها الميامين الأبطال الذين اخلصوا في حبهم لتراب الجنوب ولعزة وكرامة هذا الشعب، لترسم هذه التضحيات الجسيمة خطوط الجلاء العريضة وفتحت أبواب النصر وأرست آفاق الخلاص من كهنوت العصر..
تخضبت أرض الحواشب وتزينت سهولها وروابيها وجبالها السمراء بدماء ثلة الشرفاء الأحرار من الرجال الأوفياء الذين وهبوا انفسهم رخيصة لأجل عزة وحرية هذا الوطن وهبوا الى ساحات الوغأ ملبيين نداء الجهاد ذوداً عن حياض الأرض والعرض والدين.
تحل علينا ذكرى الحادي عشر من يونيو في كل عام لتذكرنا بعظيم تلك التضحيات لأبطال تشربوا المجد من كؤوس الفداء فلا نامت أعين الجبناء، تأتي هذه الذكرى ومعها نقرأ الفاتحة على أرواح رعيل فذ من النشامى الذين آثروا على انفسهم الموت ليحيا غيرهم بكبرياء وشموخ وكرامة..
تحل هذه الذكرى ومعها نستذكر عطاءات جيل ذهبي سار في ركب الفداء والتضحية حياً ولقي ربه على هذه القيم والمبادئ الراسخة لنبكيهم ردحاً طويلاً حد النحيب ونحزن على فراقهم الأليم لكننا نقتبس من مواقفهم وأدوارهم ومآثرهم وسيرتهم النضالية العطرة والمظفرة التي غيروا من خلالها مجرى التأريخ انصع معاني الشجاعة والبطولة والإبآء..
المسيمير وعلى مر تأريخها النضالي الأزلي الطويل تحتفظ لنفسها بخط ثوري مضيء ومميز ومتفرد لا يضاهيها فيه او ينافسها الأخرون، فقد انتهجت هذه البلدة الحبلى بفطاحلة الرجال الأشداء السير على خط التضحية منذ فجر التأريخ الجنوبي العريق والأول، وفي كل المراحل والمتغيرات ظلت بلاد الحواشب تتمسك بمبادئها الوطنية والثورية وتسير على هذا الخط المستقيم في درب شق طريقه العظماء من شهدائها الميامين من امثال معاذ علي احمد ونبيل قاسم السروي وعبد المجيد عبد الله حيدرة وبسام الشيبه وعبد الله الفيتر ووليد قائد مثنى وغيرهم من النشامى الذين رفضوا حياة الذل والإمتهان وقارعوا قوى الطغيان ليرتقوا شهداء اعزاء كرماء متوجين بأكاليل العز ومتوجهين نضالاتهم الى مصاف الخلود الأبدي.
امتطت بلاد الحواشب صهوة جوادها وحجزت لنفسها دور البطولة في مسرح عمليات الحرب لترسم آفاق تحررية حضارية وتحمل على كاهلها مشروع وطني عظيم متمثل في تطهير الجنوب من دنس الأعداء لتعيد بذلك الى الأذهان مجد وحضارة حمير من جديد.
عند التفتيش في دفتر البطولات العديدة وملف التضحيات للمسيمير في هذا اليوم الخالد وهو 11-6 بكل عام وهو اليوم الذي أعلنت بندقية الحواشب تحرير مديرية المسيمير بمحافظة لحج وتتويجها بالنصر كثاني منطقة جنوبية بعد الضالع تحظى بهذا الشرف الكبير فعند التفتيش في تلك الأوراق المليئة بالمجد والمآثر والمحطات المضيئة والذكريات الخالدة وقصص النضال والثورة والإستشهاد نجد بان المسيمير آثرت على نفسها الذود عن تراب وعقيدة وحرية وهوية وطن واثبتت علو كعبها وصمودها وثباتها في وجه كل العواصف والعوامل والتحديات.
رفعت بلاد الحواشب شعار نحيا ونموت من اجل الدين والوطن، صارعت هذه البلدة رغم واقعها التعيس والبائس وفقرها المدقع كل المآسي وتقدمت لفتح مستقبل الجنوب الجديد واعداد دستوره التحرري، وتمكن مغاويرها الأبطال ان يعيدوا كتابة وصياغة تأريخ الجنوب الحديث، فكانت أرواحهم الطاهرة هي من تحيك النصوص ودمائهم الزاكية هي من تكتب المواد وتعمل على تبويب الخرائط والحدود لتصبح تلك الخطوات التقدمية في ميزان البذل والعطاء الجازل مرجعاً لكل من يبحث عن فحول البطولة والنضال في أرشفة وقواميس التأريخ على مر الدهور الأزمان المتعاقبة.
هذه هي مسيمير الحواشب لمن يجهل تأريخها، انها منجم الأفذاذ وموطن التضحيات وأرض البطولات، تلك هي مسيمير الحواشب بركان غضب الجنوب الثائر الذي يقتلع جذور الأعداء، المنطقة الجنوبية التي لا يكون واجب القتال فيها حكراً وحصراً على الشباب فقط فهنا الطفل والمرأة والطاعن والمسن يحمل السلاح ويتوجه لميادين القتال ليخوض المعركة التي يكون شعارها دوماً (النصر او الشهادة)، وهنا أرض الحواشب مهد الحضارة وعنفوان الأصالة وعبق التأريخ، هنا الأرض التي انجبت الأبطال واشرقت بنور التضحيات وزفت بشارات الثبات والصمود ليتحقق النصر المؤزر للجنوب برمته.
هنا معقل الأشداء وموطن المغاوير ومهبط وحي الجهاد ومربض صناديد الجنوب، هنا أرض الفداء التي دفعت فاتورة النصر والتحرر للجنوب ليس فقط في 2015م وانما في كل المنعطفات والمراحل السابقة، فسابقا كان الثائر والمناضل الأستاذ محمد احمد نجيب والشهيد عباس رضوان والشهيد الربيح وقائمة الثائرين والمناضلين تطول وصولاً الى حقبة الثورة التي حررت المسيمير من براثن الحوثي واعوانه من مليشيا اليمن الغازية والتي لمعت فيها اسماء الحواشب الإستشهادية بركب قافلة يتقدمها الشهيد محسن سالم منجستو والشهيد حمزة احمد حسين والشهيد رياض جودات الفجاري والشهيد ايهاب محمد العصيمي والشهيد قائد مثنى المغرمي والشهيد سامح علي ناصر راوح والشهيد فضل ناصر راوح والشهيد خالد هارش والشهيد عبد درويش وغيرهم من كوكبة الفداء والرموز والكوادر الثورية التي أنارة دروب الحرية وسطعت في سماء التضحية لأجل الجنوب، هذه هي مسيمير الحواشب عرين الأسد الهائج القائد والمناضل البطل محمد علي الحوشبي قائد قطاع الحزام الأمني وموطن الوحش الكاسر الثائر الشجاع والمناضل البطل العميد يسري الحوشبي قائد اللواء العاشر صاعقة، انها المسيمير منارة الأحرار وقبلة التضحيات.
الحادي عشر من يونيو العظيم 2015 للميلاد يوماً يتجدد في ذاكرة كل حوشبي فهو اليوم الذي بلغت فيه طلائع المقاومة الجنوبية حدود الفواصل النارية واسقطت مركز السيطرة التابع للمليشيات الحوثية ودحرتها من كل أرجاء مديرية المسيمير الى النواحي القريبة لمنطقة الشريجة اليمنية لتتساقط هناك عناصر المليشيا كأوراق الخريف أمام جاذبية و نار بندقية المحارب الحوشبي الجسور وتتهاوى مواقع وتحصينات العدو واحداً تلو الآخر في أم المعارك التي لم تشهد لها أرض الجنوب من قبل مثيل.
تهل اليوم هذه الذكرى العظيمة لتكون مناسبة عيدية نتذكر فيها صناع المجد والإنتصار التأيخي العظيم ونترحم على من استشهد ونزور من جرح واصيب ونحني هاماتنا لتلك المآثر البطولية التي اجترحها هؤلاء الرجال الميامين ونحيي بكل معاني الإجلال والإكبار وعبارات الفخر والإعتزاز تلك المواقف الشجاعة والأرث النضالي الخالد الذي لا يقدر بثمن، كما ان هذه الذكرى تحتم علينا توجيه السلام والتحية المفعمة بالود والتقدير والإحترام لكل من لايزال حياً من هذا الجيل الفتي ونضع قبلاتنا الحارة على رؤوس أمهات المجد اللواتي أنجبن خيرة الرجال، انها الذكرى الوحيدة التي عانقت فيها دموع الفرح آهات الحزن لينتج عن ذلك نخب الحرية الذي نرتشف من معينه الذي لا ينضب في جميع اوقاتنا الحاضرة.