من الجيد أن يدرب المرء نفسه على مهارة التعامل مع الغرباء، بإلقاء التحية والتعرف إليهم، والتعريف بنفسه، وعدم الخوض بعمق في خصوصيات الطرفين، وأيضا عدم الإكثار من الكلام بطريقة مزعجة؛ فهذا يساعد على تنمية مهارات التواصل الذاتية للفرد، ويهبه شبكة من العلاقات الطيبة مع الآخرين.
ولا شك أن التحدث بلباقة له أثره إذا أحسن المرء استخدام اللحظة الأولى من اللقاء؛ ففي كثير من الأحيان نرى الشخص المتحدث "لا شعوريا" يصبح محور التجمع، مما يجعله جاذبا للآخرين. فهل الشخص المشارك أكثر في محادثات مع الغرباء يكون "محبوبا"؟ للإجابة على هذا التساؤل، حاورت الجزيرة نت اختصاصيين للإفادة بآرائهم. الأكثر جاذبية يقول اختصاصي الطب النفسي وعلم الطاقة، الدكتور موسى مطارنة، "ليس كل من يتحدث يحظى بانجذاب الناس إليه، فهناك أشخاص مؤثرون ويملكون الجاذبية الكافية في نطق الكلمة وفي المعنى وفي المفهوم، وهؤلاء يصنفون من أكثر الناس جاذبية أو أكثر الناس تأثيرا".
ويضيف أن "دليل ذلك ما نلاحظه عبر الشاشات الفضائية أو مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك أفراد لهم حضور، ولديهم متابعون، لأن لهم تأثيرا، وآخرون لا يتابعهم أحد، رغم أنهم يتكلمون، ولكن ليس في حضورهم جاذبية أو تأثير ما".
ذكاء اجتماعي "محبوب" من جهتها، تقول الباحثة والمستشارة الاجتماعية الدكتورة فاديا إبراهيم: "الإنسان -بطبعه- كائن اجتماعي، يستمد وجوده وكيانه من تفاعله مع الآخرين في الأسرة والعمل والمجتمع ككل، يكتسب خبرات حياتية كبيرة ومتنوعة من خلال تفاعله وحديثة مع الآخرين، وابتعاده وانعزاله عن الآخرين يدخله في دوامة الإحباط والاكتئاب والوحدة والعجز عن العطاء والإبداع". وتبيّن أن تعليم مهارات التواصل الاجتماعي أمر أساسي في تربية لأطفالنا، وعلينا نحن الكبار أن نتعلمها إن كانت قد فاتتنا، وأهم طريقة للتواصل والتفاعل الاجتماعي تتمثل في الحديث مع الآخرين وتبادل المحادثات العامة أو الخاصة أو التي لها علاقة بالعمل أو أحوال العالم وأخبارهم؛ ففي خلال الحديث، نُظهر شخصيتنا ومعرفتنا ونوصل أفكارنا للآخرين، وكذلك نتعرف على أفكارهم وتجاربهم ونتعلم منهم الكثير.
وتضيف المستشارة فاديا أن "الشخص، الذي غالبا ما يجيد الحديث مع الآخرين، ويعرف مع من يتحدث، ويحدد النوع والطريقة المناسبة للحديث والزمان والمكان المناسبين، هو شخص لديه ذكاء اجتماعي عال يجعل منه شخصا مقبولا ومحبوبا من الجميع، كذلك يحب الناس الشخص الذي يجيد الاستماع للآخرين ويحترم حديثهم ويصغي إليهم، ويجدون راحة في الحديث والفضفضة له بشكل دائم". الحديث مع الغرباء له طابع مميز وتقول الدكتورة فاديا "ولا ننسى أهمية الحديث بالنسبة للأسرة، لأنه يقوي الروابط الأسرية، وكذلك أهميته للأزواج، لأنه يقرب بينهم ويحل الخلافات قبل أن تتراكم أو تتفاقم. هذا بالنسبة للأشخاص الذين نتحدث معهم بشكل دائم، مثل الأهل والأصدقاء والزملاء، أما الحديث مع الغرباء أو الأشخاص الجدد، فله أهمية بالغة وله طابع مميز".
وتضيف أنه للأسف لا نعرف قيمة التحدث مع الأغراب في الغالب، فنحن نتجنب التحدث إلى الغرباء أو نخجل من ذلك، في حين يغيب عنا أن الحديث مع أشخاص جدد يحقق لنا خبرات جديدة، ويكسر روتين التواصل المعتاد مع الأشخاص الذين نعرفهم، كما أنه قد يضيف السعادة والراحة لنا، ويكسبنا معلومات جديدة سواء كانت عن بلدان أو ثقافات أو حتى في مجال الدراسة والعمل وكل المجالات. الطب النفسي يشجع على الحديث مع الغرباء وتقول المستشارة فاديا "ولا ننسى أن الطب النفسي يشجع دائما الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب والإحباط على التعرف إلى أشخاص غرباء جدد، ليبث شيئا من التغيير والانتعاش وإعادة الرغبة في التواصل". وتؤكد "طبعا لا ننسى أهمية مواقع التواصل الاجتماعي أو منصات وتطبيقات التواصل الرقمي الرائعة إن أخذناها من منظور إيجابي للتواصل والتفاعل الاجتماعي والإنساني الحقيقي، التي تعرفنا إلى غرباء أو أشخاص جدد من مختلف دول العالم بكل سهولة ويُسر، ودون بذل أي جهد أو أي تكلفة، فهي فضاء رائع للحديث مع الغرباء إن -فعلاً- استخدمناها بشكل صحيح وإيجابي". وتعلل فاديا، "لذلك نحن دائما ننصح ببناء قاعدة للتواصل الاجتماعي ونشجع على الحديث مع الآخرين واختيار هؤلاء الآخرين بكل عناية ودقة، لأن البعض في محيطنا يكون حديثهم مُحبطا أو سلبيا أو مؤذيا في بعض الأحيان؛ هؤلاء الأشخاص يجب استبدالهم فورا ليحل محلهم أشخاص جدد أو أشخاص غرباء قد نلتقي بهم في المقهى أو المتنزه أو حتى في الشارع". وتكمل، ولنا بعد الحديث الأول الاختيار إن كنا نرغب في الحديث معهم مرة أخرى وبناء معارف جديدة، أو اقتصار الحديث على مرة واحدة إن لم نرتح لحديثهم أو لم نجد في الحديث معهم شيئا يعجبنا، المهم أن نحاول دائما الحديث مع الغرباء والأشخاص الجدد، لأنه قد نكتشف كنزا ثمينا بمعرفتهم والحديث معهم".
تحدث أكثر لتصبح محبوبا! يعتقد الناس أنه يجب ألا يتحدثوا كثيرًا حتى يكونوا محبوبين، لكن تشير الأبحاث الجديدة إلى أنه يجب عليك التحدث أكثر مع الغرباء لتصبح محبوبا، وفق ما نشر موقع "ذا كونفرسيشن" (the conversation)؛ ففي المحادثات مع الغرباء، يميل الناس للاعتقاد بأنهم يجب أن يتحدثوا أقل من نصف الوقت ليكونوا محبوبين، وأكثر من نصف الوقت ليكونوا ممتعين. تقول كوين هيرشي -باحثة رئيسية في مركز أبحاث جامعة شيكاغو- وفقًا لبحث أجرته وزملاؤها تيم ويلسون -أستاذ قسم علم النفس في جامعة فيرجينيا- ودان غيلبرت -أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة هارفرد- "اكتشفنا أن هذا الحدس خاطئ"، وسلطت ورقتهم، التي نُشرت مؤخرًا في مجلة "بيرسوناتلي آند سوسيال فسيولوجي بولتين" (Personality and Social Psychology Bulletin)، الضوء على انتشار هذه المعتقدات وكيف يتم الخلط بينها. ويشير البحث الجديد إلى أنه يجب أن تتحدث أكثر، مما قد تفعل عادةً في المحادثات مع أشخاص جدد لتكوين انطباع أول جيد، وفقا للباحثة هيرشي.