يوميات يمنيي المهجر في رمضان

تقارير وحوارات
قبل 4 سنوات I الأخبار I تقارير وحوارات

في خلال شهر رمضان، يحرص اليمنيون المقيمون خارج بلادهم على إحياء بعض عاداتهم وتقاليدهم الرمضانية وإعداد الأكلات الشعبية الخاصة بهم والتي تذكّرهم بالجانب المشرق من وطنهم المأزوم وسط الصراعات والمجاعة.

الطبيب خالد باكر من الكوادر اليمنية التي هاجرت من جرّاء الحرب في البلاد واستقرّت في جمهورية التشيك. يقول إنّ "نقل العادات والأجواء الرمضانية اليمنية إلى أوروبا أمر صعب، لا سيّما هذا العام مع تفشّي فيروس كورونا الجديد الذي أدّى إلى إغلاق كلّ دور العبادة". ويقرّ باكر بأنّه لطالما عمل على نقل الأجواء الرمضانية التي عرفها في اليمن إلى محيطه، مشيراً إلى أنّ "ثمّة طقوساً كثيرة في اليمن كنّا نؤدّيها نهاراً وليلاً في شهر رمضان، ونحاول استعادتها هنا". يضيف باكر أنّ "عائلتي تهتمّ بتحضير بعض الوجبات الشعبية اليمنية في المنزل، مثل الشفوت والسنبوسة والسحاوق والشُربة، إلى جانب وجبة رئيسية. وفي أثناء تناول الإفطار نشاهد البرامج اليمنية، فهي تذكرنا بالوطن".

 

يضيف باكر أنّه "في حين نحرص على خلق أجواء رمضانية خاصة تذكّرنا باليمن، أتى كورونا ليحرمنا من بعض الطقوس مثل الصلاة والإفطار في المسجد. في العام الماضي على سبيل المثال، كنت أستيقظ في الصباح الباكر وأتوجّه إلى العمل، وعندما أعود أرتاح قليلاً ثمّ أقرأ القرآن وبعدها أذهب برفقة عائلتي إلى المسجد الذي يبعد عن منزلي نحو 25 كيلومتراً. هناك نتناول الإفطار ونؤدّي صلاة التراويح، ثم نعود إلى المنزل عند منتصف الليل ونخلد إلى النوم".

 

ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى الإعلامي أسامة عادل الذي استقرّ قبل سنوات في مدينة إسطنبول. هو حرص على "نقل ما يمكن من عادات وتقاليد وأجواء رمضانية يمنية إلى بلاد الغربة، من قبيل تحضير المأكولات الشعبية. كذلك تُعَدّ صلاة التراويح من أهم الشعائر الدينية التي يحرص يمنيون كثيرون على أدائها في المسجد". لكنّ الإجراءات الاحترازية للحدّ من انتقال فيروس كورونا في تركيا أجبرت عادل على الصلاة في المنزل. يضيف أنّه "في هذا العام، أوقفنا كلّ اللقاءات الرمضانية مع اليمنيين بسبب أزمة كورونا، بخلاف السنوات الماضية عندما كنّا نتبادل الزيارات مع الأصدقاء في شهر رمضان وتشارك الإفطار".

من جهتها، تؤكّد عبير الصوفي المستقرّة في مصر أنّها تحرص على خلق أجواء اليمن في رمضان من خلال إعداد الأطعمة اليمنية بالإضافة إلى مشاهدة القنوات التلفزيونية اليمنية. تقول: "أكثر ما يذكّرنا برمضان في اليمن هو صوت القرّاء اليمنيين، مثل محمد حسين عامر والقريطي والحليلي. كلّ يوم، نستمع إلى مقرئ قبل أذان المغرب، لأنّ هذا يذكّرنا بصنعاء"، مشيرة إلى أنّ مآذن العاصمة تصدح بالقرآن بصوت أحد هؤلاء القرّاء المشهورين في اليمن. بالنسبة إليها "لا يمكن تذوّق رمضان من دون سماع القرآن بأصوات هؤلاء القرّاء في داخل اليمن أو خارجه". تضيف الصوفي أنّ "المسلسلات والمسابقات اليمنية الرمضانية تسهم في إشعار الذين يعيشون في خارج اليمن بأنّهم قريبون من وطنهم. فمشاهد اليمن ومناظره واللهجة اليمنية المتنوعة تعيدنا إليه".

 

وترى الصوفي أنّ "مائدة الإفطار اليمنية من أكثر ما تهتم به الأسرة في رمضان، إذ لا يمكن أن يمّر يوم رمضان دون الشفوت (من المقبّلات الأساسية في المائدة اليمنية) والعصيد أو الفتة والكبسة والسلتة والحلويات، مثل الرواني المنزلي والمهلبية". وتوضح أنّ "اليمنيين في مصر يشترون مواد غذائية يمنية من محلات خاصة باليمنيين تُستورد من اليمن، مثل الهريش والذرة والعسل والزبيب واللوز اليمني والبسباس الحيمي والبخور العدني". وتلفت الصوفي إلى أنّ أفراد أسرتها يرتدون ألبسة يمنية كي يخلقوا من منزلهم "يمناً مصغرّاً".

 

وكانت الحرب والظروف المعيشية الصعبة قد دفعت ملايين اليمنيين إلى مغادرة بلادهم بهدف العمل أو الدراسة أو العلاج أو حتى هرباً من العنف والاقتتال. الشاب اليمني محمد المسوري الذي يعمل في المملكة العربية السعودية واحد من هؤلاء، وهو لم يخطر له في يوم أنّه سيعجز عن السفر إلى اليمن لقضاء شهر رمضان هذا العام مع أفراد أسرته. يقول: "أقضي شهر رمضان وعيد الفطر كلّ عام عند أولادي في اليمن. فأنا أعدّه إجازتي السنوية"، مشيراً إلى أنّ "تفشّي كورونا وإغلاق الحدود ومنع التنقل تسببت في حرماني من السفر إلى البلد". وعن يوميات رمضان في بلاد الاغتراب، يوضح المسوري أنّ "رمضان بلا طعم بعيداً عن الأولاد". يضيف: "حتى العمل متوقّف حالياً. لذا ننام طوال اليوم في العزبة (المسكن) ونفطر على تمر ولبن وأرزّ، ثم نكمل يومنا في مشاهدة التلفزيون أو تصفّح الإنترنت"، متابعاً "أشعر بالألم لأنّني بعيد عن أسرتي، لكنّني أحاول أن أعيش معهم لحظاتهم وأتبادل معهم الأخبار وأطراف الحديث عبر اتصالات الفيديو التي تمتدّ لوقت طويل".

في السياق، تقول الباحثة النفسية والمجتمعية هند ناصر إنّ "اليمنيين الذين يعيشون في الخارج كغيرهم من شعوب العالم يشعرون بالحنين إلى بلدهم كلّما طالت فترة ابتعادهم عنه". تضيف: "كثيرون منهم يعمدون إلى أمور تساعدهم على عدم الشعور بالبعد والاغتراب. ويوصي بعضهم بشراء بعض السلع التي لا تُباع إلا في اليمن، لتُرسل له عبر مسافرين أو شركات نقل، ولو بأسعار باهظة". وتشير ناصر إلى أنّ "ثمّة أشخاصاً يعدّون مثل هذه الأمور نوعاً من المواساة لتساعدهم على عدم الشعور بالوحدة أو البعد عن وطنهم".