�هد العام الماضي تصاعد التوترات في منطقتين تأتيان في صميم السياسة الأمريكية وهما أوروبا وشرق آسيا، فيما تترقب في 2023 أزمة تتصاعد حدتها بوتيرة متسارعة.
ووفق تحليل لوكالة "بلومبرغ" الأمريكية فإن الأزمة الكبرى هذا العام قد تأتي في منطقة تفضل واشنطن نسيانها، وهي الشرق الأوسط. ومع اقتراب إيران من تصنيع القنبلة، قد تتسارع مواجهة نووية بطيئة – في حين تجعل الحرب في أوكرانيا حل هذه الأزمة الشرق أوسطية أصعب.
وسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن، بحسب التحليل، في البداية إلى خفض التصعيد مع روسيا وإيران حتى يتسنى للولايات المتحدة التركيز على الصين.
وفي عام 2021، اتبع علاقات "مستقرة ويمكن التنبؤ بها" مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومع إيران سعى إلى اتفاق نووي "لفترة أطول وأقوى" والذي سيحل محل خطة العمل الشاملة المشتركة التي تفاوض سلفه باراك أوباما عليها وانسحب منها دونالد ترامب. ومع ذلك، يبدو أن موسكو لم تتوافق مع خطة بايدن، وكذلك طهران.
وخصبت إيران اليورانيوم إلى درجة نقاء 84%، أقل بقليل عن نسبة الـ90% المطلوبة لصنع سلاح نووي. وإذا كان معظم مخزونها لايزال مخصبا بنسبة 60%، فقد يكون وقت اختراق طهران – الفترة التي ستستغرقها لجمع ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة لصنع قنبلة إذا أمضت بأقصى سرعة – ربما يكون أقل من أسبوعين.
وسيستغرق الأمر شهورا أخرى لبناء قنبلة بالفعل، بحسب التحليل، لكن بالوقت الراهن تقترب إيران ببطء وليس بسرعة تجاه خط النهاية. وفي حين تقترب إيران من أن تصبح دولة ذات عتبة نووية، يفتقر بايدن إلى الخيارات الدبلوماسية الجيدة لكبح جماحها.
ووصلت المفاوضات بشأن إعادة إحياء وتعزيز خطة العمل الشاملة المشتركة إلى طريق مسدود. وقال التحليل إن إيران المتشددة على نحو متزايد لم يكن مرجحا أن تعود قط إلى اتفاقية انسحبت الولايات المتحدة منها، ما لم تصبح أكثر جاذبية بالنسبة إليها.
ومع ذلك من غير المرجح مطلقا أن يقبل بايدن اتفاق أضعف، من المنظور الأمريكي، من الاتفاق الأول. والآن أصبحت آفاق الدبلوماسية أسوأ، بحسب التحليل.
وأشار التحليل إلى أن "النظام الإيراني يقمع المحتجين في الداخل بينما يساعد الرئيس الروسي في حربه في أوكرانيا، وهي خطوات تجعل أي تهدئة في التوترات مع واشنطن غير مرجحة وتجعل أي صفقة مع طهران سم سياسي لبايدن".
وقال بايدن إن خطة العمل الشاملة المشتركة "انتهت، لكننا لن نعلن ذلك"- لأن فعل ذلك سيثير سؤال عما سيحدث تاليا، بحسب التحليل.
وأشار تحليل "بلومبرغ" إلى أن ما سيحدث تاليا هو ضغط كثيف؛ إذ إن آخر شيء يريده بايدن هو حرب أمريكية أخرى في الشرق الأوسط، لذلك ربما لايزال يعتبر ضربة أمريكية ضد منشآت إيران النووية ملاذا أخيرا. ويرجح أن تزيد الولايات المتحدة وإسرائيل الضغط، دون الحرب، بطرق تجعل إيران تبطئ أو توقف برنامجها النووي.
وهناك عدة احتمالات: هجمات سيبرانية، أو جهود سرية أخرى لعرقلة البرنامج الإيرانية، هجمات عسكرية منخفضة الدرجة تذكر طهران بهشاشتها، جهود لتعزيز العقوبات الأمريكية أو "استعادة" العقوبات متعددة الأطراف التي تم تعليقها لدى دخول خطة العمل الشاملة المشتركة حيز النفاذ.
ويبدو أن معظم ذلك يحدث بالفعل، إذ يقال إن إسرائيل اغتالت علماء إيرانيين وهاجمت منشأة صاروخية داخل إيران، وفق الوكالة.
وتلوح كل من أمريكا وإسرائيل بذهابهما إلى مدى أبعد إذا اضطروا لذلك؛ ففي يناير/كانون الثاني، أجرت القوات الأمريكية والإسرائيلية أكبر تدريبات ثنائية على الإطلاق، بمحاكاة العديد من المهام الضرورية لضرب البرنامج النووي الإيراني. ويصرح المسؤولون الإسرائيليون بأنهم لن يقبلوا بقنبلة إيرانية، ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم لن يقيدوا أيدي إسرائيل.
وبالنظر إلى مدى خطورة أن تصبح إيران نووية، فإن الحملة القسرية المكثفة تبدو منطقية، لكنها تأتي مع مخاطرة كبيرة.
وأشار التحليل إلى أنه عندما حاولت إدارة ترامب خنق إيران اقتصاديا في 2018- 2019، كانت النتيجة تصعيدا انتهى بقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس، وهجوم صاروخي إيراني على قاعدة أمريكية في العراق. وبالكاد تم تجنب خسائر أمريكية كبيرة وحرب أوسع.
واعتبرت الوكالة أن الدرس من ذلك هو أن إيران لن تجلس مكتوفة الأيدي بينما يمارس أعداؤها ضغوطا شديدة وقد ترد بطرق عنيفة ومزعزعة للاستقرار، مشيرا إلى أن إسرائيل قد تهاجم على أية حال، على أمل أن تفوقها التكنولوجي سيتيح لها إعاقة البرنامج الإيراني، وأن دفاعاتها الصاروخية وتفوقها التقليدي سيمكنها من التصدي لأي أعمال انتقامية.
لكن بطريقة أو بأخرى، بحسب التحليل، يصل الأمر إلى نقطة انهيار. وحاول عدة رؤساء أمريكيون وقف طموحات إيران النووية بينما يتجنبون حربا مميتة أيضا. وقد يكون هذا العام الذي يفسح فيه أحد تلك الأهداف الطريق.