بقلبٍ مكلوم وذهن شارد، بدا الشاب أمجد ناصر "30 عاماً" تائهاً وهو يغوص في لجة الهموم ويستحضر الفرح المرتقب والذي لم يتبق منه سوى الإسم؛ فعلى الرغم من اقترابه إلا أن الزفاف سرق الابتسامة منه بفعل الوضع الاقتصادي وتهاوي الريال اليمني.
يُخفي أمجد تذمره جراء ارتفاع تكاليف زواجه التي شارفت على 3 ملايين ريال عدا يوم الزفاف، والذي من المتوقع أن يرفع المبلغ إلى 5 ملايين، حيث شكل تراجع سعر الصرف للريال ضربة قاضية لمعيشة المواطنين بمن فيهم المقبلين على الزواج مع حلول عيد الأضحى المبارك هذا العام.
لم يكن الشاب يأبه للأخبار لاسيما الاقتصادية منها، ليتفاجأ بتسعيرة الأدوات المنزلية والأثاث التي ارتفعت إلى الضعف؛ فالمبلغ الذي ظنه كافياً لزواجه والذي جمعه خلال الأربع السنوات الماضية (مليونان وخمسمئة ألف) لم يعد كافياً في بلاد تضربها الحرب لست سنوات متواصلة.
يقول أمجد لـ"المصدر أونلاين": "كنا نسمع أن غلاء المهور هو الذي يقف حائلاً أمام الشباب وزواجهم إلا أننا نتفاجأ كل يوم بأن ثمة شوكاً مزروعة في طريقنا، ولنا أن نتخيل أن المليون والاثنين والثلاثة باتت غير مجدية في ظل تنامي الغلاء وتواصل الانهيار الاقتصادي المريع والذي يجعلك مهموماً في ذروة فرحك كما هو حالي".
تتفق معه الشابة " شيماء خالد" مُعيدة الأمر كله إلى التراجع في أسعار الصرف والذي ألقى بظلاله سلباً على الأسعار وارتفاع أسعار العملات الأجنبية أمام العملة الوطنية واستحال على الناس مواكبة هذا الغلاء الجنوني.
وتضيف: "لم يسلم الزواج من هذا الجنون فقد طالته الجائحة، وبدل أن يسعد الإنسان بيوم زفافه ينتابه القلق بسبب الغلاء وارتفاع تكاليف التحضير للزواج، حسب حديثها لـ"المصدر أونلاين".
من جانبه يصف "أبو إلياس" وهو بائع أدوات منزلية بحي الميدان بكريتر، عملية البيع بكونها تسير بشكل طبيعي رغم الزيادة التي طرأت على الأسعار والتي بلغت الـ30% تقريباً إلا أنه لا ينكر تذمر زبائنه جراء الزيادة التي يتقبلونها على مضض.
أحجية الغلاء.. والريال الكسيح
تشهد محلات الأدوات المنزلية بعدن (الثلاجات، الغسالات، الأفران، المكيفات) إقبالاً كبيراً مع اقتراب العيد وهو موسم الزفاف، ومع أن هذه الأدوات لم يطلها الارتفاع بقدر تراجع سعر الريال اليمني أمام الدولار فيبيعها أصحابها بما يقابل الدولار بالريال اليمني والذي تخطى في آخر تداول له حاجز الـ(750) ريال يمني.
يؤكد الخبير الاقتصادي "محمد سعيد كمبش" أن "كل سلع تجهيزات الزواج يتم استيرادها والارتفاع المستمر في سعر الدولار يؤدي إلى ارتفاع اسعارها بالريال لكن الاسعار ستعود تنخفض ثانية وهذا يتعلق بانخفاض سعر الصرف".
ويضيف الأكاديمي بكلية الاقتصاد بجامعة عدن لـ"المصدر أونلاين"، أن الانخفاض في صرف الدولار يكون بزيادة عرض الدولار في السوق بدرجة كبيرة تستوعب الزيادة التي كانت قد حدثت في الطلب من قبل دون أن يقابلها زيادة في عرض الدولار الأمريكي، لكن هل لدى الاقتصاد اليمني القدرة على توفير كمية كبيرة من الدولارات تدعم أو تعزز جانب عرض هذه العملة في السوق، ليس لديه ذلك في الوقت الحاضر والمدى القصير".
ويشهد القطاع المصرفي في اليمن عدن على وجه الخصوص تدهوراً حاداً على مختلف الأصعدة مما ألقى بظلاله سلباً على معيشة المواطنين وأثقلت كاهله، فيما يشكل غياب الحكومة اليمنية ومنظومة الحكم ككل والصراع مع المجلس الانتقالي الجنوبي واستمرار الحرب مع الحوثي وتوقيف تصدير النفط والغاز وتشغيل المرافق السيادية بطاقته الفعلية والامتناع عن التوريد إلى البنك المركزي عوامل ساهمت في تراجع الريال.
الزواج الفرح المنقوص
جراء الانهيار المتسارع للعملة الوطنية وواقع البلاد المعيشي السيئ الذي انعكس سلباً على الإقبال على الزواج بنفس الوتيرة المعتادة كل عام، يقول المأذون الشرعي، "عبدالحكيم باكثير" إن الأمر شهد تراجعاً كبيراً لكنه بدأ بالعودة لسابق عهده" بحسب حديثه لـ"المصدر أون لاين".
وتُشكل أزمة السكن هاجساً آخر بالنسبة للشباب فالبعض يتخذ من سكن الأهل عشاً زوجياً لعدم مقدرته على بناء منزل أو حتى عدم قدرته على تكاليف الإيجار بحكم ارتفاعها هي الأخرى والتي يقدرها سماسرة بالمتوسط (80_100) ألف ريال يمني، (110_130)$ تقريباً فيما يتمسك أصحاب البيوت بالعملة الصعبة كعملة وحيدة للتداول.
إن استمرار الحرب الدائرة في اليمن ضيقت معها الخناق على المواطن فيما عدم انتظام صرف الرواتب وتأخرها لأشهر عدة في القطاعين العسكري والمدني أصاب الأمل في مقتل وأرّق حياة المواطنين بمن فيها المقدمين على الزواج.
"لكن الارتفاع الفاحش في تكاليف الزواج وبهذا الشكل المُفزع الذي وصل إليه اليوم ليس إلا تراكما مستمرا لمجموعة من الأسباب أهمها غلاء المهور والزيادة المستمرة في تكاليف الاحتفال والتجهيزات المنزلية المطلوبة للعش الزوجية، فغلاء المهور مشكلة اجتماعية متفاقمة، ويعود بعض أسبابها إلى العادات والتقاليد الخاصة بالعائلات والأسر والمجتمعات الصغيرة المتمسكة بحقها في ذلك" بحسب الباحث في علم الاجتماع ماهر شير.
عادات دخيلة
يذهب المختص الاجتماعي إلى أن "التداول النقدي للعملة الخارجية مثل الريال السعودي سواء من حيث اعتباره دخلاً لدى الخاطب جعل من الأرقام الفلكية تبدو بسيطة هذا طبعاً باحتساب فارق الصرف، كما أن تدهور العملة المحلية المستمر جعل من أهل العروس (المخطوبة) يرفعون من قيمة المهر المراد لابنتهم لسد احتياجات العرس ونفقاته".
ويردف ماهر شير لـ"المصدر أونلاين": "كما أن التفاخر بين الفتيات من حيث الفساتين والقاعة والوجبات المُقدمة وكذا الولائم عند الرجال أسهم في رفع قيمة المهر أيضًا، ولا يمكننا أن نغفل عن حقيقة ظهور طبقة برجوازية جديدة أسهمت هي الأخرى وبشكل مباشر في ترسيخ ظاهرة التفاخر في إطار الطبقة ذاتها أو حتى مع باقي الطبقات الأدنى منها من باب التماثل، كل هذا وغيره جعل من الزواج ثقب أسود يبتلع كل مدخول الأفراد والعائلات ويستنزف إمكانياتهم المادية لا سيما من لا يملك مدخول شهري سوى بالعملة المحلية المتهورة".
وعلى سبيل التفاخر، يحرص البعض على شراء غرف نوم خارجية يتراوح سعرها بين (1500_2500)$ أي ما يعادل (1125000_1875000) ريال يمني وهذا السعر بالمتوسط يساوي قيمة مهر فتاة، وعادة من يذهبون بهذا الاتجاه هم الميسورون ذوو الدخل المرتفع، إلا أن ثمة تخوف من أن يصبح الأمر عادة.
كما أن الأسرة تشترط الوظيفة للخاطب والراتب "المحترم" مقابل موافقتها على الزواج إلا أن المغالاة في المهور والاشتراطات المبالغ فيها كالقاعات الكبيرة والفخمة ونوعية الأثاث وملكية البيت من شأنها أن تؤدي إلى وأد الزواج بحسب مختصين.
ومؤخراً ظهر نوع جديد من التفاخر بين الفتيات ناهيك عن الأهل يتمثل بوظيفة الشاب بإحدى المنظمات الدولية والتي يتقاضى معها راتباً بالعملة الصعبة وهو ما جعل المجتمع يشير إليه بالبنان وهذا ما يجعل الآخرين أمام تحدٍ حقيقي.
طقوس الزواج بعدن
تتنوع طقوس الزواج في اليمن بحسب العادات والتقاليد في كل منطقة ومحافظة، وفي عدن تبدأ بالخِطبة كما هو متعارف عليه بالمحافظات اليمنية الأخرى، إلا أن ثمة طرائق تسبق الزفاف بالنسبة للشاب والفتاة وتتسلسل بحسب الطقوس والتي تبدأ من خلال عملية الحناء للشاب وهي حفلة عادة ما يقوم بها الأهل والأقارب وأقران "العريس" ومن خلالها يطلى الشاب بالحناء يقابلها "الزقرة" بالنسبة للفتاة والتي تكون –عادةً- بمنزل الأسرة وتتدثر خلالها بالثياب كاملة كطقوس متبع بحسب "نور حسن".
وتضيف الأم "نور" لـ"المصدر أونلاين"، أن ثمة طقوس أخرى للفتاة منها "الغسل" والتي تتمثل بإقامة حفلة إما في نادي أو منزل الأهل كما لو كان حفلة زفاف يحضر خلاله الأقارب والجيران وهي حفلة تسورها الأغاني والابتسامة".
يقابلها إقامة "العريس" لـ"مقيل" للرجال وعادة ما تقام في نادي يحضر خلاله الأقارب والجيران والأصدقاء كما أن سعر الزواج يختلف بحسب الاتفاق لكنه لا يتعدى المليون ريال يمني _ 1350$_ على أن يتحمل العريس تكاليف القاعة فيما يتم أحياناً تقاسم تكاليف القاعة بين أهل العريس وأهل العروسة.
ويبلغ عدد حضور القاعة بالمتوسط بالنسبة للنساء_ 300_400، فيما الماء والشراب هما الوجبة الحاضرة ويحرص البعض على جلب الكيك الشاي والمكسرات والشوارما والبرجر والفهيته ويبلغ سعر الشوارما والبرجر (300_500) ريال يمني للسندوتش الواحد، فيما تتراوح اسعار القاعات بعدن من (200_ 500) ألف ريال يمني تتعدى هذا المبلغ أو تكاد لوازم القاعة من أكل وشرب بحسب القدرة.
لكن موجة الغلاء قادت الكثيرين خلال العام الجاري إلى التمرد على هذه العادات وطوت طقوس الحناء والغسل والمقيل صفحاتها لتبقى القاعة، وبدأت القاعات البسيطة رخيصة الثمن باستقبال الحفلات كنتيجة لارتفاع إيجار القاعات الكبيرة.