قالت مجلة ذي إيكونوميست البريطانية، إن الحرب الأهلية المتواصلة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، دمرت العاصمة الخرطوم ولم يعد يتبقى منها سوى القليل.
ورأت المجلة أن قوات الدعم السريع تتحمل النصيب الأكبر في هذا التدمير المتعمد للعاصمة التي تتركز فيها السلطة والثروة السودانية، والتي بحسب سكانها لا تتوقف فيها أصوات القصف وإطلاق النار.
وذكرت المجلة البريطانية أن السودان يعتبر حالة غير عادية من حيث أن مركز الحرب والقتال هو العاصمة، والتي شهدت انطلاق الطلقات الأولي للحرب الحالية، حيث كانت مقرا لأمراء الحرب المتنافسين.
فمن ناحية، يتواجد في الخرطوم الرئيس الفعلي للسودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي يقود القوات المسلحة السودانية، ومن ناحية أخرى، يتواجد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، (حميدتي).
وأشارت المجلة إلى أنه بعد ذلك، انتشر القتال بين الجيش والدعم السريع من الثكنات إلى شوارع العاصمة، مضيفة إلى أن قوات الدعم السريع التي يأتي معظم أفرادها من المناطق النائية والمضطهدة، تسعى إلى الانتقام.
تدمير متعمد للدولة القديمة
وبحسب المجلة فإن قوات الدعم السريع التي تسيطر على معظم وسط مدينة الخرطوم، بما في ذلك المناطق التي تستضيف القصر الرئاسي والوزارات الحكومية الأخرى، تقوم بطرد السكان من منازلهم تحت تهديد السلاح، في أحيان كثيرة تقوم بتدميرها.
ووفق خلود خير وهي محللة سياسية سودانية والمديرة المؤسسة لمركز "كونفلونس أدفايزوري" وهو مركز بحثي مقره الخرطوم، فإن قوات الدعم السريع "تعتقد أنها لا تستطيع إنشاء دولة بالصورة التي تريدها ما لم تدمر الدولة القديمة بعنف".
وفي الأسابيع الأخيرة، زُعم أن مقاتلي قوات الدعم السريع أحرقوا سجلات تسجيل الأراضي وسيطروا على أحياء سكنية بأكملها.
وقال محلل سوداني آخر: "كل منزل (الخرطوم) محتل (من قبل الدعم السريع).. المدينة تحت سيطرتهم"
تحت الحصار
وذكرت المجلة أن أكثر من نصف سكان الخرطوم فروا منها منذ أن بدأت الحرب الأهلية قبل ستة أشهر.
ونقلت عن وليد آدم، الذي هرب في يوليو/تموز بعد أن داهمت قوات الدعم السريع شقته: "لقد غادر كل من أعرفه الآن.. معظم الذين ظلوا هم من كبار السن أو العجزة لدرجة أنهم لا يستطيعون المغادرة والعديد منهم أيضًا فقراء للغاية".
ويتعرض المدنيون الذين يحاولون الخروج لخطر السرقة أو الإجبار على دفع رشاوي لعبور نقاط التفتيش المسلحة.
وقال أحد الفارين من الخرطوم مؤخراً للمجلة: "إذا نسيت بطاقة هويتك لأي سبب من الأسباب، فسوف تقوم قوات الدعم السريع باعتقالك".
وفي الواقع، فإن أجزاء كثيرة من المدينة تحت الحصار. وبالكاد تستطيع وكالات الإغاثة العمل، كما أن الرعاية الطبية تكاد تكون معدومة.
تتحول لأطلال
وقال مصطفى مودواي، وهو مدرس ظل في مكانه ولم يفر. لقد تحولت العديد من المعالم التاريخية في العاصمة وكذلك مصانعها إلى ركام وتراب.
وأضاف مجدي الجزولي من معهد ريفت فالي، وهو مؤسسة فكرية: "لقد تم هدم الخرطوم القديمة بالفعل".
وتعرض القصر الرئاسي لضربة جوية في مايو/أيار. تم إحراق برج شركة النيل الكبرى لتشغيل البترول، وهو أحد أطول المباني في العاصمة ورمز لنظام الدكتاتور السابق عمر البشير، الشهر الماضي.
ورأي ناثانيال ريموند، المراقب للصراع السوداني في جامعة ييل، إن الخرطوم تواجه مصير مدينة دريسدن، المدينة الألمانية التاريخية التي دمرتها غارات الحلفاء الجوية في الحرب العالمية الثانية.
وأضاف: أيًا كان الجانب الذي يغزو العاصمة (سواء الدعم السريع أم الجيش)، فسوف يُترك يحكم على مجرد أطلال".