تقرير يسلط الضوء على ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج

تقارير وحوارات
قبل 3 أسابيع I الأخبار I تقارير وحوارات

تتجلى ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج بشكل مخيف حيث تتداخل العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية لتخلق بيئة معقدة تعيق تحقيق أحلام الشباب في تكوين أسرهم الخاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تعاني منها البلاد نتيجة الحرب المستمرة والأزمات الاقتصادية المتفاقمة، يجد الكثير من الشباب أنفسهم أمام تحديات كبيرة تجعل التفكير في الزواج أمرًا بعيد المنال فمع كل محاولة للزواج يصطدم هؤلاء الشبان بواقع مرير يتمثل في غلاء المهور والشروط التعجيزية التي تفرضها بعض الأسر التي تتطلب متطلبات إضافية تتجاوز القدرات المالية للشباب.

 

حيث تتزايد التكاليف المرتبطة بالزواج بدءًا من تكاليف قاعات الأعراس وصولًا إلى المهر والمصروفات الأخرى في ظل والوضع الاقتصادي المتدني والبطالة المستشرية والضغوط الاجتماعية التي تمارسها الاسر مما يدفع العديد من الشبان إلى العزوف عن تكوين أسرة في حياتهم حيث تُعتبر بعض التقاليد والعادات المرتبطة بالزواج عبئًا إضافيًا على الشباب مما جعل العديد من الشباب يترددون في اتخاذ خطوة الزواج ويُفضلون العزوبية كخيار أكثر أمانًا وراحة

 

في هذا التقرير سنغوص في أعماق هذه القضية مستعرضين آراء الشباب ونبحث في الأسباب العميقة التي أدت إلى هذا العزوف عن الزواج والبحث في الحلول الممكنة التي قد تسهم في تغيير هذا الاتجاه

 

غلاء المهور

يُعد غلاء المهور وتكاليف الزواج المرتفعة من أبرز العوامل التي تعيق الشباب عن الزواج حيث تتراوح المهور المؤجلة مأة جرام ذهب والمقدم أكثر من عشره ملايين هذا اقل تقدير في بعض المناطق التي يكون أكثرها مغتربين وامورهم ميسورة وهذه الظاهره تؤثر سلباً على المجتمعات الأخرى متوسطة الدخل والمتدنية حيث يجعل هذه الظاهره سائده في جميع المجتمعات.. في هذا السياق يبرز منصور الشاب البالغ من العمر 30 عامًا من أبناء مديرية الخور منطقة العريش كأحد هؤلاء الذين يعانون من غلاء المهور وتكاليف الأعراس الباهظة يعيش منصور مع ثلاثة من إخوته الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و45 عامًا في أسرة فقيرة تكافح لتلبية احتياجاتها الأساسية. ويشير منصور إلى أن إخوته الأكبر اختاروا العزوبية كخيار أفضل حيث أدركوا أنهم غير قادرين على تحمل تكاليف الزواج ومسؤولياته في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والذهب وصرف العملات الأجنبية بالإضافة إلى العادات والتقاليد المكلفة التي يفرضها أهل العروس يقول منصور: "أنا وأخواني الثلاثة عزاب لم نستطع الزواج بسبب تكاليف العرس الباهظة وغلا المهور نحن أسرة فقيرة بالكاد نغطي لقمة العيش وأنا الآن خاطب منذ خمس سنوات ولم أتمكن من تقديم تكاليف العرس وأخشى أن أصل إلى مرحلة ما وصل إليه إخواني الثلاثةةحيث اقتنعوا بأن الزواج أمر مستحيل".

 

ندى شابة عدنية تعبر عن استيائها العميق من غلاء مهور الزواج والتكاليف الباهظة التي يفرضها بعض الأهالي على العرسان.. تصف ندى هذه الممارسات بأنها تشبه التجارة حيث يُطلب من العريس دفع مهور مرتفعة تفوق قدراته المالية بالإضافة إلى شروط تتعلق بتوفير منزل وأثاث مما يزيد من الأعباء المالية ويعيق الشباب عن تحقيق حلم الزواج وبناء حياة جديدة.

 

تشير ندى إلى أن هذه الترتيبات أصبحت مكلفة للغاية مما يجعلها عبئاً على الشباب المقبلين على الزواج حيث تحولت حفلات الزواج من مناسبة لإشهار الزواج ومباركته إلى مناسبة للمفاخرة والبذخ تتطلب نفقات باهظة لا يستطيع تحملها إلا الميسورون وهذا يتعارض مع تعاليم الإسلام التي تدعو إلى البساطة واليسر في الزواج حيث يشير الحديث النبوي إلى أهمية الوليمة ولكن في إطار معتدل دون إسراف أو تقطير 

 

 تؤكد ندى أن بعض الأهالي يستغلون زواج بناتهم لتفاخر بنسبهم مما يؤدي إلى زيادة الطلبات والتكاليف الباهظة دون التفكير في العواقب السلبية لهذا التصرف مثل تفشي ظاهرة العنوسة بين الشباب الذين يجدون أنفسهم غير قادرين على الزواج بسبب الضغوط المالية المتزايدة وتدعو ندى الأهالي إلى مراعاة الظروف الحالية للشباب والتقليل من التكاليف الباهظة التي تعرقل الزواج والتي لن تجدي نفعًا 

 

الوضع الاقتصادي

فيما تحدث عماد الأحمدي عن دور الزواج في بناء الأسر، أكد أن الزواج خطهالسبيل الأمثل لتكوين نواة مجتمعية حيوية تسهم في تطور المجتمع وازدهاره، موضحاً أن الزواج ليس مجرد ارتباط شخصي بل هو أساس يساهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي مشيراً إلى أن العديد من الشباب يواجهون تحديات كبيرة في تحقيق هذا الحلم النبيل وذلك بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة وصف هذه التحديات بأنها تتفاقم بشكل مستمر حيث إن الفقر وقلة الدخل يعدان من أكبر العوائق التي تحول دون تحقيق حلم الزواج بل أحياناً يصبح الزواج بالنسبة للكثيرين طموحًا بعيد المنال حيث تضع الظروف المادية الضاغطة المتطلبات الثقيلة أمامهم مثل تأمين المسكن وتكاليف الزواج المرتفعة مضيفاً أن ارتفاع تكاليف المعيشة يشكل عائقًا إضافيًا أمام الشباب موضحاً أنه يصعُب عليهم تأمين مستقبلٍ مستقر وسط زيادة أسعار السكن وغلاء المعيشة اليومية.

 

 

يقول الترياق طالب العلوم السياسية لقد أصبح حصول الشاب على زوجة أمرًا بالغ الصعوبة حيث يشبه ذلك حصول دولة ناشئة على سلاح نووي وهو ما يعتبر شبه مستحيل

مشيراً إلى أن الظروف المعيشية القاسية الناتجة عن ارتفاع الأسعار بسبب الصراعات والحروب والانهيار الاقتصادي قد أدت إلى تدهور العملة المحلية بشكل كبير وهذه العوامل جعلت تكاليف الزواج مرتفعة للغاية مما يعيق قدرة الشباب على توفير هذه التكاليف.

 

 العادات والتقاليد

وتابع قائلاً إن العادات والتقاليد من أبرز العوائق التي تواجه الشباب والشابات فالكثير من هذه العادات تفرض على الشاب المتقدم للزواج المرور بإجراءات معقدة ودفع مبالغ مالية في كل مرحلة من مراحل الزواج على سبيل المثال يتعين على الشاب دفع مبلغ مالي لشراء خاتم ذهب وحلقات أذن ذهب وساعة بالإضافة إلى تكاليف الملابس وعدد من الحفلات قبل الزواج المكلفة ومن ثم عقد القران حيث أن بعض المناطق يشترط أن يكون لعقد القران حفلة منفصلة ومن ثم الحفل الاخير لزفة حيث يتحمل الشاب تكاليف شراء القات واللحم وكل متطلبات الحفل لأهل العروس في يوم الزفاف مما يزيد من الأعباء المالية وضافه الى ذلك يُشترط على الشاب قبل الزواج توفير مسكن منفصل عن عائلته وفي بعض الأحيان يشترطوا على أن يكون البيت في المدينة.

 

 عنوس الفتيات

 

يشير الترياق إلى تأثير التعليم على تأخير الزواج حيث تسعى الكثير الفتيات لمواصلة دراستهن البكالوريوس والماجستير للحصول على وظائف تؤمن لهن مستقبلًا أفضل 

 

في هذا السياق أوضح المحامي عماد القطوي أن المرأة في العصر الحديث أصبحت تتمتع بمجموعة واسعة من الحقوق والامتيازات مما ساهم في إعادة تشكيل نظرتها تجاه مؤسسة الزواج وأظهرت بعض الدراسات أن متوسط عمر الزواج لدى الفتيات قد ارتفع بشكل ملحوظ في دلالة واضحة على هذا التغيير مشيراً إلى أن هناك عدة عوامل رئيسية تؤثر في قرار الفتيات بين العزوبية والزواج حيث تأتي الرغبة في استكمال التعليم العالي والحصول على شهادات متقدمة فالكثير من الفتيات يفضلن السعي على تحقيق أهدافهن المهنية والطموحات الشخصية بدلاً من الالتزام بحياة زوجية مبكرة قد تحد من حريتهن مؤكداً أن الاستقلال المالي أصبح عنصرًا أساسيًا في قرارات الفتيات حيث يسعين إلى تأمين مستقبل مالي قوي قبل التفكير في الارتباط مضيفاً أن بعض الفتيات يفضلن حياة مستقلة تمنحهن الفرصة لممارسة اهتماماتهن الشخصية مثل السفر وممارسة الهوايات وقضاء وقت ممتع مع الأهل والأصدقاء بعيدًا عن ضغوط الحياة الزوجية.

 

في سياق آخر أكد عبدالكريم الحسني في حديثه أن بسبب المغالاة في المهور والتكاليف الباهظة لإقامة الأعراس التي فرضتها العادات والتقاليد الخاطئة في هذا المجتمع وهي في الحقيقة عادات لن تفيد العرسان في العرس ولا ما بعد العرس بل إذا استطاع الشاب جمع تكاليف الزواج بدين اقترضه لإقامة العرس فإن هذا يتسبب له بأعباء وهموم بعد العرس الظروف المعيشية الصعبة في البلاد أصبح الكثير من الشباب فقط يفكرون في كيفية توفير قوت يومهم حيث أن يصبح الزواج للشباب أمراً مستحيلاً. 

الآثار السلبية 

وتابع الحسني حديثه قائلا: أن الكثير من الشباب عندما يرى أنفسهم عاجزون عن الزواج منهم يتجهون إلى تحقيق غاياتهم وتلبية رغباتهم عن طريق العلاقات غير الشرعية هذه العلاقات لها الأثر الكبير في انعدام استقرار الشباب نفسياً واجتماعياً كما أنها تساهم في نشر أمراض خطيرة وهو ما يؤدي بدوره إلى المزيد من الأضرار الاجتماعية والاقتصادية مشيرًا إلى أن هذا يسهم في خلخلة النظام الأسري في المجتمع حيث يلجأ الكثير من الشباب إلى البحث عن علاقات غير شرعية مع فتاة شابه قد تصبح ضحية، فيما بعض الشباب يلجأون إلى تجارة الممنوعات والمحرمات والبعض الآخر إلى جبهات القتال من أجل أن يوفروا شيئاً يستطيعون من خلاله الزواج بالحلال. 

حلول مقترحه

من جانبه اكد الناشط الحقوقي آمين السبعي أن تداعيات وسلبيات عزوف الشباب عن الزواج كثيرة وتتطلب معالجة جماعية للحفاظ على قيمنا ومجتمعاتنا وأشار إلى أن الدور الأبرز يقع على الأسرة التي ينبغي عليها مراعاة ظروف الشباب المتقدمين للزواج وتطبيق سنة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- القائلة: "من أعجبكم دينه وخلقه فزوجوه". كما دعا الخطباء والمشايخ ورجال الدين إلى توعية المجتمع بأهمية زواج الشباب وفقًا لما أمرنا به نبينا. 

 

وطالب امين وزارة الأوقاف بإصدار قرار يمنع المغالاة في المهور وتحديد مهور مناسبة للأوضاع المعيشية في البلاد ومحاربة العادات والتقاليد الدخيلة مثل التفاخر بالنسب والمكابرة... وأكد على أهمية الرجوع إلى شريعة الله تعالى بالاعتدال في الزواج، وتيسيره والقبول بمن يرضون دينه وخلقه بالإضافة إلى القناعة بما كتبه الله وعدم التطلّع إلى ما في أيدي الناس.