�دينة عدن التي يتقاسم العيش فيها الجميع باختلاف الألوان والأجناس والأديان، لم تكن الوحيدة التي ذاقت الويلات خلال السنة 2020، التي كانت ثقيلة الوطأة على العالم بأسره، وزائرة ثقيلة أذاقت الكثيرين المرارة، وسلبتهم دفء الحياة بين الأهل والأقارب، خصوصاً إذا ما تحدثنا عن جائحة لا تبقي ولا تذر، كانت هي العلامة الفارقة والحدث الأهم خلال العام الذي يحزم امتعته مودعاً، وقد ترك فينا آثاراً جلها لا تُمحى من الذاكرة.
عدن التي تعرضت لكارثة بيئية بسبب الأمطار الغزيرة التي تساقطت في شكل قياسي، تركت آثارها هي الأخرى، سيولاً غمرت أجزاءً من أحيائها، بل وأزهقت أرواح بعض ساكنيها، حيث بلغ عدد الضحايا 14 شخصاً قضوا فيها.
في شهر نسيان (أبريل) الماضي، تعرضت عدن لكارثة بعد أمطار غزيرة غمرت مياهها المتساقطة المدينة وشلت الحركة فيها، وجرفت السيول منازل المواطنين وممتلكاتهم، وفي لحظات أصبح المواطنون الآمنون يقطنون في العراء، بلا مأوى، بل وفرّقت السبل بعضهم، حتى فقد الأب بعض أبنائه، وفقدت أكثر من أسرة عائلها.
وأعلنت الحكومة اليمنية حينها أن العاصمة الموقتة عدن مدينة منكوبة، جراء خسائر بشرية وأضرار مادية كبيرة خلفتها تلك السيول. وجاء الإعلان حينها في ثنايا تغريدة عبر "تويتر" لرئيس الحكومة اليمنية الدكتور معين عبدالملك، حيث قال: "إن مدينة عدن منكوبة بسبب حجم الخراب والخسائر الهائلة جرّاء المنخفض الجوي". ودعا عبدالملك الدول الشقيقة والصديقة ومنظمات الإغاثة إلى مساعدة الحكومة في مواجهة هذه الكارثة واحتواء آثارها المدمرة على حياة المواطنين وممتلكاتهم.
وفي 26 من نيسان (أبريل) أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارة الذاتية لعدن والجنوب برئاسة اللواء أحمد بن بريك رئيس الجمعية الوطنية الجنوبية والقائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي.
الأوبئة تغزو عدن
ما إن أفاقت العاصمة اليمنية الموقتة عدن من كارثة السيول التي غمرتها وأفقدتها الكثير من الأرواح والممتلكات، حتى حل عليها زائر ثقيل أخطر من سابقه، إذ ضربت الأوبئة أهالي عدن، لتترك فيهم أثرها المميت هي الأخرى.
الأوبئة التي رافقت جائحة كورونا ضربت أهالي عدن حتى باتت المقابر تئن بزوارها، وأصبحت المدينة تفقد كل يوم ما يزيد على 70 شخصاً، حسب تقارير يومية كانت تنشر من قبل رئيس مصلحة الأحوال المدينة والسجل المدني اللواء سند جميل.
وحل هذا الزائر الثقيل على عدن لأشهر وهو يحصد العشرات من أبناء المدينة من دون أن تحرك الجهات المعنية ساكناً لمجابهة انتشار الوباء.
وما يميز هذه المرحلة الصعبة التي مرت وما زالت تمر بها العاصمة اليمنية الموقتة عدن، هو تنازع الصلاحيات والمسؤوليات بين كل من المجلس الانتقالي الجنوبي المسيطر على المدينة والذي أعلن الإدارة الذاتية فيها، والحكومة الشرعية التي يرزح جل أعضائها في فنادق الرياض ودول أخرى.
وفي شهر أيار (مايو) اندلعت معارك عنيفة بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات التابعة للحكومة الشرعية في محافظة أبين شرق عدن، أدت الى مقتل المئات من الطرفين.
وسعى التحالف العربي خلال مرحلة الحرب الى تهدئة الأوضاع وإيجاد آلية لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض، وهو اتفاق مصالحة جرى بوساطة سعودية ومشاركة تحالف دعم الشرعية في اليمن، بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وتم التوقيع عليه في العاصمة السعودية الرياض، في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، في رعاية الملك سلمان بن عبد العزيز، وحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد والرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي. ومثّل الحكومة اليمنية في توقيع الاتفاق سالم الخنبشي، فيما مثّل المجلس الانتقالي الدكتور ناصر الخبجي. ويستند الاتفاق الى عدد من المبادئ أبرزها، الالتزام بحقوق المواطنة الكاملة ونبذ التمييز المذهبي والمناطقي، ووقف الحملات الإعلامية المسيئة، وهو ما أدى الى انسحاب طرفي الصراع من الصفوف الأمامية في محور أبين وعودة القوات الشرعية الى مدينة شقرة فيما تراجعت قوات الانتقالي الى مدينتي زنجبار وعدن.
وفي حزيران (يونيو) 2020 صُعق أبناء عدن باغتيال المصور الحربي الشهير نبيل القعيطي الذي وثق كل لحظات الحرب في العاصمة منذ هجوم الميليشيات الحوثية عليها في آذار (مارس) 2015 حتى تحرير عدن والمحافظات الجنوبية المجاورة.
وباغتيال الشهيد نبيل القعيطي عاشت عدن أياماً عصيبة دشنت الأجهزة الأمنية خلالها حملة لمنع مرور الدراجات النارية التي تستخدم في الاغتيالات غالباً.
وفي 28 تموز (يوليو) توصلت الأطراف المتصارعة الى اتفاق على تسمية محافظ ومدير أمن العاصمة الموقتة عدن توّج بإعلان أحمد حامد لملس محافظاً لعدن وأحمد محمد الحامدي مديراً لأمن عدن لكن الأخير لم يتسلم مهماته حتى اللحظة.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 شهدت عدن افتتاح أقدم الملاعب اليمنية وفي الجزيرة العربية وهو ملعب الشهيد الحبيشي الذي أعادت ترميمه وزارة الشباب والرياضة بتمويل حكومي بلغت كلفته الاجمالية 370 مليون ريال يمني.
وفي العاشر من كانون الأول (ديسمبر) الجاري أعلن التحالف العربي التوصل إلى اتفاق نهائي لتنفيذ الخطة الأمنية وآلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض وبدأت الانسحابات الفعلية في اليوم التالي مباشرة.
وفور إعلان التحالف العربي انتهاء الطرفين من عملية الانسحابات التي أشرفت عليها قوات تابعة للتحالف العربي، تم الإعلان عن حكومة الكفاءات التي تمخضت عن تفاهمات الرياض بين أطراف الصراع.
وتجري هذه الأيام ترتيبات في العاصمة اليمنية الموقتة عدن لاستقبال أعضاء الحكومة اليمنية المشتركة التي تعتبر تتويجاً لتفاهمات الرياض.