"هذه الحياة متعبة ليتني أموت"، كلمات تفيض بالأسى والوحشة من الناجية (م. ع. س. أ)، حيث تراودها رغبة في الخلاص من حياتها التي أثقلتها الأحزان، بعد أن قضت الحرب في اليمن على كل آمالها في العيش الكريم واضطرتها وزوجها وأطفالها للتشرد، والنزوح المتكرر، حيث أن فراق مسكنهم المستقر، كان أشد من الذبح على قلوبهم، وكان تخليهم عنه معذبا؛ لتبدأ رحلة النزوح.
ويشير أحدث تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان ((UNFPAبمناسبة يوم المرأة العالمي (2020م)، إلى ارتفاع عدد النازحين جراء الحرب في اليمن إلى حوالي 4.3 مليون شخص، نصفهم تقريباً من النساء، وكانت النتيجة تآكل آليات حماية النساء تقريبًا، مما زاد من خطر تعرضهن لسوء المعاملة والعنف". تقول (م. ع. س. أ) في سياق سرد قصة تشردها "خرجنا وزوجي وأطفالي من منزلنا في صنعاء ذليلين حزينين باكيين بلا أمل لنتوقف في تعز، لكنها الحرب المجنونة تلاحقنا لنتحرك الى شبوة- مدينة عتق، ويغمرنا شعور فاجع بأننا ماضين الى الموت؛ لقد بلغت بي الهموم ما لا يبلغ في عمري كله فساءت صحتي وتعرض جسدي للضمور ويالها من أيام موحشة أوجعت قلوبنا بالتعب والخوف والتحرش".
ينظر د. حمود طاهر أستاذ التحليل النفسي بجامعة صنعاء، الى أن التحرش الجنسي كتعبير عن أزمات عامة في الأسرة والمجتمع تعكس نفسها بسلوك عدواني ضد المجتمع، يتم التعبير عنه باللجوء الى أفعال الاغتصاب والتحرش الجنسي من أناس لا يحترمون النساء، وخصوصا في أجواء الصراعات المسلحة التي تغيب فيها معاني العدالة والرحمة.
في السياق تشرح (م. ع. س. أ) مأساتها بعد شعورها بالثقة والتقبل من الأخصائية النفسية (منى) وإنصاتها لها بمنتهى الشفقة، والرأفة، حيث تحدثت بصوت متحشرج وصدر مختنق مستسلمة محاولة كتم أنفاسها حتى لا تبكي؛ غير ان الدموع التي نزلت من مقلتيها كشفت عمق العذاب الذي تعيشه.
وتقول (م. ع. س. أ)، “لست اليوم الا شقية؛ يا رب خلصني من عيشتي، حتى زوجي عزائي وتسليتي أصبح يتلذذ بتعذيبي بعد أن كان ودودا حلو المعشر؛ لقد فقد من العزم ما ينئ به عن السقوط في تعنيفي جسديا ولفظيا بعد تعطله من عمله بسبب فيروس كورونا ومكوثه في المنزل واعتلاله بالمرض النفسي، لتمضي الحياة معه جافة بلا عاطفة بلا حنان".
وبحسب تقارير عن الأمم المتحدة فقد أظهرت النتائج التي قدمها العاملين والعاملات في الخطوط الأمامية زيادة في جميع أنواع العنف ضد المرأة والفتاة وبخاصة العنف المنزلي وتلك هي الجائحة التي تتنامى في ظل أزمة كوفيد -19- وهو ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة في دعوته الى "السلام في المنازل" في نيسان إبريل2020م.
حقق دعم الأخصائية النفسية (م. ع. س. أ) نجاحاً كبيراً؛ إذ تعاملت معها وفق منظور العلاج النفسي الجشطلت (هنا والآن)، حيث من الحكمة نسيان الماضي لنبتهج بالحاضر- فأنعشت آمالها؛ لتمشي خلف ارادتها بجسارة وتستغل إمكاناتها. ومما ساعد (م. ع. س. أ) أنها خريجة ثانوية عامة ولديها مؤهل دبلوم اللغة الإنجليزية وذات طموح، وقد أحالتها الإخصائية في مشروع الحماية ودعم سبل العيش للنساء والفتيات(المساحة الآمنة) التابع للوصول الإنساني م/شبوة-عتق الى مسؤولة التدريب، لتستكمل إجراءات منحة مشروع سبل العيش؛ تدريبا على مهنة الخياطة والتفصيل التي اجتازتها بنجاح، لتستلم بعد ذلك منحة التمكين الاقتصادي الممولة من صندوق الأمم المتحدة للسكان ((UNFPA والمكونة من (مكينة الخياطة ومستلزماتها من الأدوات والأقمشة المتنوعة الداعم لمشروعها في تحسين سبل عيشها ونمائه.
على ضوء ذلك الدعم، بدأت (م. ع. س. أ)، حياة جديدة تستدر بها دخلها المالي، مستقبلة الحياة بثقة واطمئنان ومستبشرة بغد أجمل؛ لما لمسته من سد احتياجات أسرتها، فاليوم خير من الأمس الذي عاشته لسنوات تصارع وطأة الحاجة، وألم النفس؛ فالسماء تفتح أبوابها عندما نخطو الى الأمام بثقة، وأمل وابتسامة، فتمنحنا القوة للاستمرار في الحياة، مهما كانت بائسة.
في زيارتي التتبعية لتقييم أثر التدخل الإنساني، قابلتني بوجه باسم دلت على أن فرحت الخير تغلبت على عناء الماضي، وحدثتني عما يدره المشروع لها، قائلة "صار لنا رزق يحفظ علينا الحياة، ويساعدنا في المأوى. بفضل ما قدمتموه لي؛ أدامكم الله عونا للمحتاجين".