رائد طه.. عن الرحيل المٌبكر لربان المسرح العدني "بروفايل"

تقارير وحوارات
قبل 3 سنوات I الأخبار I تقارير وحوارات

على متن قطار الطابور المدرسي كانت البداية الأولى للنجم العدني "رائد طه" في مشواره الفني مع المسرح، وهو ذلك الوميض الذي أنار للشاب الطريق، وفجّر في مكامنه الموهبة الفنية في مدينة عرفت المسرح منذ قرن من الزمن.

وترجع بداية الحركة المسرحية في عدن إلى العام 1904م حيث كان أول عرض مسرحي في المدينة من خلال فرقة تمثيل هندية, وكتب النجاح في العام 1910م بإنشاء المسرح اليمني وتكون خلاله أول فريق تمثيل يمني وكانت مسرحية "يوليوس قيصر" باللغة العربية أول مسرحية يشاهدها الجمهور آنذاك.

في السنوات الأخيرة، ومع تراجع المسرح في عدن إثر الظروف والأحداث التي مرت بها اليمن عامة وعدن خاصة، كانت المدينة أمام عودة مرتقبة لذلك الفن السامي، حين قرّر عدد من شباب المدينة وهم "عمرو جمال، وعدنان الخضر، ورائد طه، وأحمد هاشم السيد، وغسان صلاح، وآخرون" أن يعيدوا للمسرح العدني ألقه.

كانت الانطلاقة عام 2005م بالتزامن مع تأسيس فرقة "خليج عدن الفنية" برئاسة الفنان الكبير والمسرحي القدير "عمرو جمال" تلك السفينة التي كان "رائد طه" أحد أشرعتها وتخلل تلك الانطلاقة مسرحية "عائلة دوت كوم" الكوميدية والتي كانت من تأليف وإخراج "عمرو جمال" وهي أول مسرحيات الفرقة، والتي لعب فيها رائد صاحب دور "كمال طه" مدير المدرسة المتقاعد "دور البطولة".

كان المسرح العدني حينها أمام منعطف تاريخي هام سرق إعجاب الناس، فحققت "عائلة دوت كوم" وهي تلك المسرحية الكوميدية التي تعالج قضايا اجتماعية بأسلوب كوميدي جميل، نجاحاً كبير في مهرجان ليالي عدن المسرحية الثاني والذي مهّد النجاح لأعمال مسرحية أخرى في صنعاء وعدن بين عامي (2005-2007).

سبق للفنان "رائد طه" المشاركة في مسرحيات "فرقة خليج عدن" وكان الرّبان في مسرحيات "حلا حلا يستاهل" في 2007م والتي لعب فيها عدداً من الأدوار من ضمنها إحدى عجائز الباص، ونتيجة التعاون بين فرقة خليج عدن والبيت الألماني فتحت الآفاق أمام الفرقة بعرض مسرحية "معك نازل" في برلين كأول فرقة يمنية تعرض عملا مسرحياً في أوروبا.

كانت تلك المسرحية والتي عُرضت في 2010 إنجاز تاريخي إضافي لم يتوقف عند المسرحية ذاتها بل كانت للفرقة مسرحية أخرى "كرت أحمر" لعب فيها الفنان رائد طه عدداً من الأدوار أبرزها دور "نادية شجن" والذي تقمص خلاله دور "العجوز" التي لا تبرح على مفارقة النافذة ومراقبة كل صغيرة وكبيرة في حي "حافة" تعج بالتصرفات السلبية كبيع المخدرات وإطلاق الرصاص في الهواء وبيع الأسلحة، ومعالجة تلك السلبيات بأسلوب كوميدي ساخر مازالت ضحكاته يتردد صداها في مسامع الناس حتى اليوم.

شارك رائد طه في المسلسل التلفزيوني" حافة الأنس" في محاولة لإعادة المسرح التلفزيوني إلى الواجهة من جديد، فيما تخلل عام 2012م عرض عدد "30" مسرحية قصيرة من أداء الفرقة في رمضان تحديدًا على قناة السعيدة؛ إضافة إلى دوره التمثيلي في الكوميديا فقد قدم "رائد" دور "المحامي فتحي" في المسلسل الدرامي "فرصة أخيرة" في 2013م وتخلل عمله التنقل بين الكوميديا والتراجيديا.

فيما قدم "رائد طه" العديد من المسرحيات التلفزيونية خارج إطار فرقة خليج عدن كمسرحية "الثعلب والنعب" للمخرج جميل محفوظ، ناهيك عن مسلسل "عايش سفري" وبين العامين (2016-2017) شارك "رائد طه" في مسرحيتين بالاشتراك مع إذاعة هولندا العالمية جابتا مدارس عدن، وكانتا تهدفان إلى التوعية بمخاطر الإرهاب والانضمام للجماعات المسلحة.

في عام 2019م شارك الفنان "رائد طه" في مسرحية "على حركرك" _مسمى دارج_ وهي مسرحية كوميدية ساخرة شارك فيها الفنان رائد وكالمعتاد ناقشت تردي الأوضاع في عدن بعد الحرب.

وسبق للفنان "رائد طه" أن قدم ما يربو على (1000) اسكتش مسرحي قصير؛ ومن خلال في فن راق أضحك الجميع وصنع الابتسامة والوعي معا، وكانت المسارح عرينه في المناسبات الاجتماعية والوطنية والشبابية.

بحسب أصدقاء الفنان الذين تحدثوا لـ"المصدر أونلاين"، كان المسرح يعني له الكثير، وسينما "هريكن" في كريتر العاصمة الأزلية لعدن والتي احتضنت الكثير من مسرحياته كانت كل شيء بالنسبة له، ولم يقتصر دوره على التمثيل والمسرح بل كان واحداً من أبناء عدن الذين تهمهم مدينتهم في أفراحها وأتراحها، فشارك في وقفات احتجاجية دفاعاً عن المتنفسات وتحسين الخدمات والدفاع عن المواقع الأثرية التي طالتها السطو بعد الحرب.

وخلال العشرين السنة الماضية، كان لرائد طه دوراً هاماً في الحراك الثقافي بعدن واليمن بشكل عام، ومع التجاذبات السياسية التي شهدتها عدن وتأطير الناس والصراع السياسي بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، لم ينخرط رائد طه في المماحكات السياسية ولم يتخندق في أي ضفة كون الفن رسالة سامية لا تعترف بالسياسة ولا بالجغرافيا فجمهوره ومحبيه يحملق بهم في أرجاء اليمن.

عاش "رائد طه" وهو العدني البسيط الذي ظل يكابد الحياة وقسوتها والتي زادت من ضراوتها في ظل انهيار العملة الوطنية وارتفاع الأسعار جراء ما تعيشه البلاد من حرب مدمرة تدخل عامها السادس دون بوصلة، وكان كغيره يعمل جاهدًا مقابل أجرٍ علّه يستطيع أن يصنع البسمة لأطفاله وأهل بيته في زمن سرق الفقر والجوع ابتسامة الناس في بلاد كتب لها الشقاء.

يوم أمس الأربعاء، فجع الناس بخبر وفاة الفنان "رائد طه" إثر نوبة قلبية ألمّت به، فسقط مغشياً عليه، لكن هذه المرة إلى غير رجعة، ذهب بعيداً عن أهله ومدينته التي احتضنته لثلاثة عقود على التوالي، مات رائد طه وهو الشاب اليانع بمحافظة المهرة التي كان يصور فيها مسلسلاً رمضانياً بمعية ممثلين آخرين.

مقربون من رائد قالوا لـ"المصدر أونلاين" إنه كان يعاني من أمراض في القلب، وكتب هو أيضاً منشوراً على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" قال فيه إنه مريض واصفاً مرضه بأنه قد يكون "بداية النهاية" وهو ما كان بالفعل.

رحل رائد طه عن عمر يناهز (38) عامًا وهو من مواليد عدن 1983م، وهو خريج كلية العلوم الإدارية واب لثلاثة أطفال، مات شامخًا كمسان، يانعًا، وعاش صلبًا كجبل حديد وذهب يحمل جرحاً كجرح وطن أنهكه التعب، وقد كان كثيراً ما يردد: "لم أطلب المساعدة من أحد ولن أطلب بإذن الله".

وخيم الحزن على مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن بعد رحيل رائد، ونعاه الجمهور بحزن عميق، لكن نعيه لم يخلو من استياء لإهمال الفن والفنانين من قبل الجهات الرسمية المعنية، قال أحد النشطاء: "في هذه البلاد لا أحد يأبه لصحة الآخرين بقدر مصلحته الشخصية" وتابع متذمراً "فلا دولة تأبه للمرضى ولا حكومة تنظر لحال الناس في عدن وكأن الناس طبقة ثانية" "يكفيك هنا أن تموت في منزلك جائعًا؛ مريضاً؛ بشرف خير لك من استجداء الحكومة" يقول آخر.

وقال الفنان خالد الجبري، ناعياً رائد: "كيف لك أن تزور عدن من غير أن تلقى رائد طه" وقد رافق الفنان الجبري رائد في عدة حلقات من برنامج "رحلة حظ" على قناة يمن شباب، في رمضان من العام الفائت.