نيويورك تايمز: إذا أشعل الشارع الفلسطيني انتفاضة جديدة فستكون هزة للجميع بمن فيهم المطبعون

تقارير وحوارات
قبل 3 سنوات I الأخبار I تقارير وحوارات

 نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا لتوماس فريدمان قال فيه إن الإسرائيليين والفلسطينيين والجيران العرب يتساءلون إن كانت أحداث القدس التي انتشرت إلى جبهة غزة ستكون أمرا كبير؟ انتفاضة مثلا، وكلهم يريد أن يكون الجواب “لا” وكل له أسبابه.

وجاء فريدمان” “لنرَ ماذا يحدث عندما يلتقي تيك توك مع المظالم الفلسطينية ضد اليمين الإسرائيلي ومصادراته للأراضي العربية في حي الشيخ جراح. ثم أضف إلى المزيج ليلة القدر في القدس، ثم يوم القدس، ولعبة السلطة من حماس لتولي قيادة القضية الفلسطينية، وأخيرا الفراغ السياسي الذي لم تكن فيه السلطة الوطنية قادرة على عقد انتخابات جديدة، ثم إسرائيل المنقسمة التي لا تتوقف عن تنظيم انتخابات”.

وأضاف أن ما حدث هو انفجار للعنف حول القدس يوم الإثنين انتقل سريعا إلى جبهة غزة والناس يتساءلون: “هل سيكون هذا حدثا كبيرا؟ وهل هذه بداية انتفاضة فلسطينية جديدة؟”. وتريد الحكومة الإسرائيلية والدول العربية والسلطة الوطنية أن يكون الجواب قاطعا “لا”. إسرائيل لأنها لن تجد دعما كثيرا لقمع الفلسطينيين من البيت الأبيض الميال لليسار، علاوة على بقية العالم. أما الحكومات العربية فهي تريد مواصلة التعامل مع صناع التكنولوجيا الإسرائيليين ولا تريد الخوض في عملية الدفاع عن رماة الحجارة الفلسطينيين. أما السلطة الفلسطينية فستكشف الأحداث عن عدم قدرتها السيطرة على الشارع الفلسطيني.

الحكومات العربية تريد مواصلة التعامل مع صناع التكنولوجيا الإسرائيليين ولا تريد الخوض في عملية الدفاع عن رماة الحجارة الفلسطينيين.

ويقول الكاتب إن الأحداث الأخيرة على خلاف انتفاضتي 1987 و2000 لا يوجد طرف أو جهة أو فلسطينية تستطيع التعامل معها على الجانب الآخر من الهاتف، وإن كان موجودا فهو فلسطيني عمره 15 عاما ينقر على هاتفه المحمول بالأوامر ويبحث عن الإلهام عبر “تيك توك”، تطبيق الفيديو الذي يستخدمه الشبان الفلسطينيون لتشجيع بعضهم البعض لمواجهة إسرائيل.

وأشار لما كتبه جاك خوري، الخبير بهذه الديناميات العربية في صحيفة “هآرتس” حيث كتب أن عجلة الاحتجاج في الجانب الفلسطيني هي “حركة شعبية” وتتكون في المعظم من “جيل شاب لا ينتظر قيادة سياسية- لا السلطة الوطنية أو القادة العرب في إسرائيل ولا قطاع غزة. وذكرت تقارير أن حماس في غزة حاولت خلال الأيام الماضية إثارة الاحتجاجات، لكن قيادة الحركة لا تسيطر أبدا على الأحداث، أو كما ترى الحكومة الإسرائيلية الوضع. ولا يوجد هناك عنوان أو شخص يمكن التوجه إليه وعقد نقاش حول الوضع.

ويرى فريدمان أن سبب المواجهات هذه المرة حسب موشيه هالبرتال من الجامعة العبرية هو تصادم “أوقات مقدسة” و”أماكن مقدسة” حيث قام لاعبون مختلفون برمي عود الثقاب لإشعال النار. فهناك يوم القدس الذي يحتفل به باحتلال القدس عام 1967 وتوحيد شرق وغرب المدينة، ويحتفل اليهود به في حائط المبكى. وتزامن اليوم اليهودي مع ليلة القدر في يوم السبت. ولا تعتبر أهم ليلة في رمضان بل في التقويم الإسلامي لأنها الليلة التي أنزل فيها القرآن على النبي محمد، وأحيا الليلة عشرات الآلاف من الفلسطينيين في الأقصى. ويقول إن التداخل في الموعدين المقدسين أدى لمواجهات في أزقة القدس الشرقية وبلغ ذروته في يوم الإثنين عندما داهمت الشرطة المسجد الأقصى، وجرح المئات من الفلسطينيين و20 من الشرطة.

يرى فريدمان أن سبب المواجهات هذه المرة هو تصادم “أوقات مقدسة” و”أماكن مقدسة” حيث قام لاعبون مختلفون برمي عود الثقاب لإشعال النار

وأشار إلى تحليل هالبرتال الذي قال إن الوضع تفاقم حول “الأماكن المقدسة” ومحاولة اليهود المتطرفين إخلاء 6 عائلات فلسطينية من بيوتها في حي الشيخ جراح. وهنا أكد فريدمان ما يقوله الإسرائيليون أن المنازل الفلسطينية بنيت على أراضي يهود فروا عام 1948. ويحاول الفلسطينيون مقاومة أوامر الإخلاء، وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية ستنظر في قرار إخلاء العائلات يوم الإثنين، لكن القرار أُجّل بسبب الأحداث.

وقال فريدمان إن المواجهات على التواريخ والأماكن المقدسة كافية لإشعال النار، لكن مشاهد على تيك توك، حملها فلسطينيون وتظهر محاولة اعتداء على يهود أرثوذكس قادت لقيام مجموعة يهودية اسمها “ليهافا” لتنظيم مسيرة في بوابة دمشق وهتف أفرداها “العرب، أخرجوا”.

ويرى الكاتب أن كل هذه المؤشرات تعطي صورة عن أن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني لم ينته، خلافا للإجماع في إسرائيل الذي ظهر خلال السنوات الماضية، واقترح أن إسرائيل قمعت العنف ورضي الفلسطينيون الذي يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة بالعيش وبشكل دائم تحت السيطرة الإسرائيلية. وكان هذا الإجماع قوياً بدرجة أن موضوع النزاع الإسرائيلي وكيفية حله تم تجاهله في الجولات الانتخابية الأربع الأخيرة أو لم يكن على الأجندة. وأكدت اتفاقيات التطبيع التي هندستها إدارة ترامب بين إسرائيل ودول عربية وهي الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب أن الموضوع الفلسطيني أصبح في الماضي، ولكن عناوين الأخبار اليوم تكشف عن خطأ هذا التفكير.

كما أن إدارة جوزيف بايدن ليست مهتمة في الوقت الحالي للرد على عناوين الأخبار. لكنها لا تعتقد أن الظروف مناسبة لأي تقدم على الموضوع الإسرائيلي- الفلسطيني، وهذا آخر ما تريده، في وقت تركز فيه على إحياء الملف النووي مع إيران، وهو موضوع يتسبب بتوتر كبير في إسرائيل. ولا تريد أن ينحرف نظرها عن هذا الموضوع الأساسي بالتوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين أو وقف محاولات إيران إشعال الوضع في القدس.

أين نذهب من كل هذا؟ يقول الكاتب إن كل ذلك يعتمد على بنيامين نتنياهو. ومن أكثر المصادفات جنونا، وربما الأكثر جنونا أن الأحداث اندلعت ونتنياهو في طريقه للخروج من السلطة بعد أكثر من 12 عاما. ومن مصلحة نتنياهو فشل منافسيه في تشكيل حكومة، مما يعطيه الفرصة للتمسك بالسلطة وربما تجنب السجن في قضايا الفساد التي يحاكم عليها.

لو تحول الأمر إلى انتفاضة وفرض الشارع نفسه على القيادات فستكون بمثابة هزة قد تهز إسرائيل وغزة والضفة الغربية والأردن ومصر واتفاقيات إبراهيم

ومن الطرق التي قد يلجأ إليها نتنياهو هي إشعال الوضع بدرجة تقنع منافسيه بالتخلي عن محاولات الإطاحة به والقبول بأن الوقت لم يحن بعد لتغيير القيادة. وهذا يعتمد أيضا على حماس، فقد فشلت في تحقيق نمو اقتصادي في قطاع غزة الذي تحكمه، دون تقدم سياسي مع إسرائيل.

وحقيقة تأجيل السلطة الفلسطينية الانتخابات التي كان من المتوقع أن تفوز بها حماس، يعني أنها ستظل عالقة. وعندما تجد نفسها في هذا الوضع، ماذا تفعل حماس عادة؟ تطلق صواريخ على إسرائيل، ولكنها في يوم الإثنين أطلقت صواريخ على القدس، لكي تتسلم القيادة وتشعل انتفاضة هناك. وردت إسرائيل بقصف غزة حيث قتلت أكثر من 20 فلسطينيا.

وفي النهاية قد ينتهي كل هذا قد ينتهي في ثلاثة أو أربعة أيام لأن حماس، إسرائيل، مصر، الأردن والسلطة الفلسطينية ستتساءل إن كان من مصلحتها فرض إرادتها على الشارع أم لا. ولو تحول الأمر إلى انتفاضة وفرض الشارع نفسه على القيادات فستكون بمثابة هزة قد تهز إسرائيل وغزة والضفة الغربية والأردن ومصر واتفاقيات إبراهيم. ولو حدث هذا “فأقترح عليكم تحميل تيك توك لمتابعتها بشكل مباشر وحيّ”.