خلال الأيام القليلة المقبلة سيتوجه الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أوروبا في أول جولة خارجية له منذ توليه المنصب في يناير الماضي. وخلال هذه الجولة التي تبدأ الخميس المقبل سيزور بايدن بريطانيا وبلجيكا وسويسرا لحضور قمم مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى ثم قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) والقمة الأميركية – الأوروبية، إلى جانب قمة ثنائية بريطانية – أميركية ثم القمة الأميركية – الروسية في جنيف.
وسيخيم على الاجتماع الذي سيعقد في قرية ساحلية إنجليزية بداية النفوذ الروسي وانتشار سلالات جديدة من كوفيد – 19 وارتفاع حصيلة الوفيات في بعض دول التجمع، إضافة إلى تغير المناخ وتعزيز سلاسل الإمداد العالمية وسبل الحفاظ على تفوق الغرب التكنولوجي على الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتعهد بايدن بإعادة بناء العلاقات مع الحلفاء بعد أربع سنوات صعبة في تاريخ تلك العلاقات خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي أوقف عضوية بلاده في عدة مؤسسات متعددة الأطراف وهدد في وقت من الأوقات بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي.
وكتب بايدن في مقال رأي نشر في صحيفة واشنطن بوست السبت “في هذه الفترة التي يسودها عدم اليقين، ومع استمرار العالم في التصدي لجائحة تحدث مرة واحدة في القرن، تهدف هذه الرحلة إلى تجديد الالتزام الأميركي حيال الحلفاء والشركاء”.
وسيكون الاجتماع بمثابة اختبار لشعار “أميركا تعود” الذي تبناه بايدن، إذ ينتظر الحلفاء الذين أصابتهم خيبة الأمل في عهد ترامب أفعال ملموسة.
وقال رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردون براون لشبكة “سي.إن.إن” الأحد إنها لحظة بالغة الأهمية للولايات المتحدة والعالم. وتساءل براون “هل سيعود التعاون الدولي أم أننا ما زلنا في عالم تسود فيه نزعات القومية والحماية والعزلة؟”.
وسيتصدر الملف الروسي اهتمام قمة مجموعة السبع في كورنوال بإنجلترا والأيام التي تليها أيضا عندما يجتمع بايدن مع قادة أوروبيين وحلفاء من حلف شمال الأطلسي في بروكسل قبل أن يتوجه إلى جنيف لعقد قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ودفعت وقائع مثل الهجوم الإلكتروني على شركة “جي.بي.إس” أكبر شركة لتعبئة اللحوم في العالم على يد مجموعة إجرامية مقرها روسيا على الأرجح، ودعم بوتين المالي لروسيا البيضاء بعد أن أجبرت طائرة تابعة لشركة رايان إير على الهبوط كي تعتقل صحافيا معارضا كان على متنها، المسؤولين الأميركيين لبحث اتخاذ إجراءات أكثر صرامة.
وعلى غرار ذلك من المتوقع أن يلتقي بايدن على هامش قمة حلف شمال الأطلسي بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جلسة بالغة الأهمية بعد الخلاف بين الدولتين بسبب شراء أنقرة لأنظمة دفاع روسية مما أغضب واشنطن وأثار الشقاق داخل الحلف.
ويشير جيمس ستافريديس الأدميرال الأميركي المتقاعد والخبير الإستراتيجي في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إلى أن بايدن سيسعى خلال هذه الجولة إلى إعادة الدفء للعلاقات الأميركية – الأوروبية التي عانت صعوبات شديدة خلال سنوات حكمه سلفه دونالد ترامب.
ومن الطبيعي أن يرغب بايدن في الحديث مع حلفائه الأوروبيين عن فايروس كورونا المستجد، والتغير المناخي، والطموحات النووية لإيران وانسحاب قوات حلف الناتو من أفغانستان. ولكن على رأس هذه القضايا ستأتي قضية كيفية عمل الولايات المتحدة وأوروبا معا لمواجهة الصين.
ومع استمرار توسع مشروعات مبادرة الحزام والطريق الصينية على مستوى العالم، واستمرار تنامي قدرات الصين الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، فإنها ستعترض الولايات المتحدة في أماكن عديدة، بحسب ستافريديس مؤلف رواية “2034: الحرب العالمية التالية” الأكثر مبيعا.
وبالنظر إلى الحجم المتوقع والتقدم التكنولوجي الهائل للصين خلال العقد الحالي، ستحتاج الولايات المتحدة إلى شبكة قوية جدًا من الحلفاء والشركاء والأصدقاء للمساعدة في توفير التوازن مع صعود بكين. فمن الواضح أن الصين تعمل على إعادة تشكيل النظام العالمي بطرق قد تلحق الضرر بالولايات المتحدة وأوروبا، وتعزز دور الدول المستبدة وتحد من تأثير الديمقراطيات على المسرح العالمي.
وتعد أوروبا الوحيدة التي تملك الكتلة السكانية والموقع الجغرافي والقيم، وقبل كل ذلك القدرة الاقتصادية، التي تحتاجها الولايات المتحدة لتحقيق الثقل المطلوب في ظل عودة أجواء الحرب الباردة. ومن المهم الإشارة إلى أن الصين تجتذب روسيا وإيران إلى جانبها لبناء شبكة حلفاء لها.
إذن، ما هي الرسالة التي يجب أن يقدمها بايدن إلى حلفائه الأوروبيين بشأن مواجهة الصين وكيفية التعامل معها؟
هنا يجيب ستافريديس بالقول إنه يجب البدء بقيادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، مضيفا أنه أثناء عمله كقائد عسكري لحلف الناتو لعدة سنوات، عمل بشكل وثيق مع أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية والتي كانت وزيرة الدفاع في ألمانيا في تلك السنوات.
وأضاف أنها درست الطب وعاشت في الولايات المتحدة لعدة سنوات عندما كان زوجها يدرّس في جامعة ستانفورد، وهي تتمتع بنظرة جيواستراتيجية للأمور. كما أنها كانت قد تحدثت منذ خمس سنوات عما تمثله الصين والهجمات السيبرانية من تحديات بالنسبة إلى الدول الغربية وضرورة تحديث قدرات حلف الناتو لمواجهة هذه المخاطر. لذلك من المهم أن يطور بايدن علاقة شخصية مباشرة مع فون دير لاين ومع الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ رئيس وزراء النرويج سابقا.
ومن الناحية العملية فإن جذب الأوروبيين نحو الولايات المتحدة عند التعامل مع الصين يحتاج إلى تصور عسكري ودبلوماسي واقتصادي أيضا.
ومن ناحية البعدين العسكري والدبلوماسي فإن ملف ادعاء الصين سيادتها على بحر الصين الجنوبي هو أفضل ملف يمكن فيه التعاون الدبلوماسي والعسكري الأميركي – الأوروبي لمواجهتها. فقد تعهدت فرنسا وألمانيا بالفعل بضمان حرية الملاحة في ممرات هذه المنطقة بالتعاون مع الولايات المتحدة.
وفي الشهر الماضي توجهت مجموعة قطع بحرية برفقة حاملة طائرات بريطانية إلى شرق آسيا عبر المحيط الهادئ. وسيكون من المنطقي البناء على هذه التطورات وجذب أوروبا إلى “رباعي ديمقراطيات المحيط الهادئ” الذي يضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة.
ويمكن أن تكون أوروبا وبخاصة بريطانيا مفيدة في التعاون مع الهند في ظل التحسن السريع للعلاقات بين البلدين.
أما في الجانب الاقتصادي، فالعنصر الأساسي للتحالف الأميركي – الأوروبي في مواجهة الصين يرتبط بمدى قدرة كل من الولايات المتحدة وأوروبا على تنسيق مواقفهما بشأن التجارة والتكنولوجيا. فالبعض في أوروبا يسعى إلى فرض قيود على القدرات الاقتصادية والتكنولوجية لكبرى الشركات الأميركية من خلال “قانون الأسواق الرقمية”.
ووفقا لهذا القانون فإن الشركات الأميركية العملاقة في مجال التكنولوجيا ستواجه تحقيقات وتدخلات في أنشطتها في أوروبا، وهو ما يثير غضب الولايات المتحدة التي ردت بالتلويح بفرض عقوبات اقتصادية وتجارية على الشركات والمنتجات الأوروبية.
ويعتقد ستافريديس الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لمجموعة كارلايل الأميركية للاستثمار أنه يمكن القفز على هذه الخلافات من خلال تفعيل الفكرة التي طرحها أوروبيون بالفعل وتشكيل “المجلس الأميركي – الأوروبي للتجارة والتكنولوجيا”.
ويمكن أن يركز هذا المجلس أو المنتدى على صياغة مواقف متكاملة لرصد الطموحات الصينية والتصدي لها. ومن خلال إعلان الرئيس بايدن دعمه لهذا المجلس سيوجه إشارة قوية إلى بكين بأن واشنطن تريد العمل بشكل وثيق مع الدول التي تشاركها القيم الأساسية واحترام حقوق الإنسان والحرية السياسية.
وفيما تتفوق الولايات المتحدة على الصين من خلال تنوع وقدرات حلفائها وشركائها وأصدقائها على مستوى العالم، يستنتج المتابعون أن أوروبا هي الشريك الوحيد الذي ستجد واشنطن فيه القيم المشتركة والقدرات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجيا المطلوبة لمواجهة التهديد الصيني.