في منزل صغير في إحدى حواري مديرية المنصورة في العاصمة اليمنية الموقتة عدن، يقطن العم حسين محمد عوض وأبناؤه السبعة الموزعون على تباعد بسيط في تواريخ ميلادهم. ينتظر الأبناء والدهم الذي يصل ظهر كل يوم من عمله في أحد المرافق الحكومية محملاً بأعباء العمل غير المجزي.
لم يتوقع العم حسين أن تصل به الحال الى أن يعجز عن توفير كسوة العيد لأولاده، وقد أصبح اليوم، بفعل الحرب المستمرة والانهيار الاقتصادي في اليمن، عاجزاً عن توفير متطلبات أسرته الضرورية، فضلاً عن الكماليات من كسوة العيد والأضحية.
بتنهيده كبيرة بدأ العم حسين حديثه الى "النهار العربي": "عند تسلمي أول مرتب عام 2000 قلت حينها لقد ضمنت مستقبل أولادي براتب حكومي كان يكفي أسرتي التي لم يكن معي آنذاك منها سوى زوجتي وأبي وأمي رحمهما الله".
وتابع: "كان الواحد منا يحلم براتب حكومي لأجل ضمان مستقبل لائق له ولأسرته حتى بعد وفاته، لأنه كان يلبي كل المتطلبات الضرورية والكماليات وزيادة، لكن منذ بداية الأزمات في اليمن بدأ الراتب يترنح بالتدرج حتى أصبح على ما تشاهدونه اليوم، وبات الموظف الحكومي عاجزاً عن توفير أدنى متطلبات أسرته الضرورية".
ويتخوف العم حسين من أن يعجز حتى عن توفير القوت لعائلته "بسبب الغلاء والانهيار الكبير للعملة المحلية، في ظل راتب متدن ومتقطع وعدم اكتراث الحكومة الشرعية والتحالف العربي بهذا الانهيار الذي ربما قد يصل الى تعطيل مرافق الدولة".
وبفعل الحرب المستمرة والانقسام الحاصل في البلد، أصبح في اليمن بنكان مركزيان وعملتان، فالمناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية لديها بنك في صنعاء ولديها طبعة تتداولها في السوق المحلية الخاصة بها، أما الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً فلديها أيضاً بنك مركزي معترف به في عدن ولديها طبعة أخرى.
ويختلف صرف الريال اليمني في المناطق المحررة الخاضعة للحكومة الشرعية عن المناطق الخاضعة للميليشيات الحوثية، إذ وصل صرف الريال اليمني، الثلثاء في عدن، الى 991 ريالاً للدولار الواحد، بينما بلغ في صنعاء 597 ريالاً للدولار الواحد. وضاعف هذا الفارق في الصرف بين المحافظات اليمينة من معاناة المواطنين من خلال التشديد على الحوالات، إذ أصبحت عمولة التحويل 66%، أي أن عمولة تحويل 100 ألف ريال يمني من عدن الى صنعاء هي 66 ألف ريال يمني.
وحذر خبراء اقتصاديون من أن استمرار انهيار الريال ستنتج منه كارثة اقتصادية تلقي بظلالها على الحركة التجارية في البلاد، ما يمثل عبئاً كبيراً على اليمنيين، فيما حذرت منظمات إغاثة دولية ووكالات تابعة للأمم المتحدة من أن الاقتصاد اليمني يقف على حافة الانهيار.
وخسر الريال اليمني أكثر من ثلاثة أرباع قيمته مقابل الدولار منذ اندلاع الحرب في آذار (مارس) 2015. وتسبب هذا الانهيار في زيادات حادة للأسعار وسط عجز الكثير من اليمنيين عن شراء سلع أساسية لتزيد الأوضاع المعيشية للمواطنين تفاقماً، خصوصاً مع تدني أجور الموظفين اليمنيين وتوقفها لأشهر.
ووفقاً لما ورد في وكالة الأنباء اليمنية «سبأ»، فقد وجّه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الحكومة اليمنية قبل يومين لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف تراجع الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، ومنع المضاربات التي تضر بالعملة الوطنية.
وحثّ الرئيس اليمني محافظ البنك المركزي والمسؤولين على «العمل الجاد بالإمكانات المتاحة للحفاظ على استقرار أسواق الصرف ومواجهة المتلاعبين بأسعار الصرف والتنسيق الكامل بين البنك والحكومة".
ويقبل عيد الأضحى المبارك على اليمنيين هذا العام في ظل أسوأ أزمة مالية واقتصادية منذ اندلاع الحرب. فقد وصل سعر الخروف الى أكثر من 300 ألف ريال يمني أي ما يُعادل 291 دولاراً، بينما متوسط راتب الموظف اليمني 100 ألف ريال يمني في الشهر أي ما يُعادل 100 دولار.
واعتاد اليمنيون على إحياء أعيادهم بشراء الملابس الجديدة وتبادل الزيارات والهدايا، فضلاً عن تكاليف عيد الأضحى الأخرى، وفي مقدمتها شراء خروف العيد.
ووجه رئيس مجلس الشورى اليمني أحمد عبيد بن دغر نداءً الى "الأشقاء في المملكة العربية السعودية، أن أعينوا الشرعية، وأنقذوا المواطن، فالوضع اليوم أسوأ مما كان عليه بالأمس، اليوم الدولار تجاوز الألف الريال، وهو مُرهَق مُنهك فقد قيمته".
وحذر بن دغر، في تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، من أن انهيار العملة يهدد بمجاعة في اليمن، وبخسائر فادحة للاقتصاد الوطني، وباضطراب في الحياة العامة.
((النهار العربي))