اليمن: عملة واحدة بسعرين ترهق المواطن المتعب من الحرب وويلاتها

تقارير وحوارات
قبل سنتين I الأخبار I تقارير وحوارات

بوجه حزين وغاضب يقول العامل اليمني في مجال الديكور محمد المحويتي ذو الـ35 عاماً: "تشتغل وتكدح شهراً كاملاً بعيداً عن أهلك، حتى في أيام العيد، وتتفاجأ وقت تحويل مبلغ لأهلك انه لا يصل اليهم سوى31 في المئة فقط".

 

ويوضح المحويتي لـ "النهار العربي" الذي التقاه في زاوية أحد محلات الصيرفة الشهيرة في العاصمة اليمنية الموقتة عدن انه استطاع تجميع مبلغ 200 ألف ريال يمني خلال شهر كامل "لكنه سيذهب الآن بكل سهولة ضريبة للتحويل من عدن الى المحويت ولن يصل الى أسرتي منه سوى 62 ألف ريال فقط لا تلبي متطلباتها الضرورية في ظل الغلاء المتفحش".

 

وارتفعت عمولة التحويل بين المحافظات اليمنية الخاضعة للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً والمليشيات الحوثية الى 69 في المئة بتفاوت أسعار الصرف بين هذه المحافظات.

وأقر البنك المركزي اليمني الخميس في بيان له جملة من القرارات التي تعالج المشاكل المتعلقة بفوارق التعامل بالعملة المحلية بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية وتلك الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية. 

 

ومن بين تلك القرارات، بحسب وكالة (سبأ) الرسمية ضخ طبعة فئة 1000 ريال بالنسخة الكبيرة التي تتداولها وتحتكرها الميليشيات الحوثية في المناطق الخاضعة لسيطرتها منذ عامين تقريباً.

 

وجاء هذا القرار بعد أن وصل سعر الريال اليمني الى أدنى مستوياته منذ اندلاع الحرب في آذار (مارس) 2015.

 

ووصل سعر صرف الدولار الواحد الى 1000 ريال في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية التي تتداول العملة من الفئة الصغيرة المطبوعة حديثاً بينما تحتفظ المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات الحوثية بصرف 597 ريالاً للدولار الواحد.

 

وأقر البنك أيضاً تكثيف التداول بالفئة الجديدة ذات الطبعة الكبيرة في السوق ومعاودة تعزيز استخدامها في معاملات البيع والشراء النقدي، وبمستوى حجم تعامل أكبر.

كما أقر إجراءات منظمة لخفض حجم المعروض النقدي وإبقائه في المستويات المقبولة والمتوافقة كمياً مع حاجة السوق لها، وذلك بناءً على الدراسات التي أعدها الخبراء المختصون في البنك، للحد من أي آثار تضخمية، وانعكاسها سلباً على قيمة العملة المحلية في عموم السوق اليمنية ومختلف المناطق، وإلزام البنوك ومؤسسات التحويل والصرافة خلال فترة قريبة قادمة بوقف فرض عمولات جزافية وغير واقعية للتحويلات الداخلية بين مختلف مناطق البلاد، بدواعي التمييز السعري بين فئات العملة المحلية الواحدة، وستتعرض عند مخالفتها لعقوبات مشددة يقررها البنك بهذا الشأن.

 

وتعليقاً على اجراءات البنك المركزي قال المحلل الاقتصادي الدكتور محمد سعيد كمبش لـ "النهار العربي": "اعتقد أن الوضع سيظل كما هو ويتطور نحو الأسوأ، ليس في عدن فقط، بل في صنعاء أيضاً". 

 

 واذ لم يستبعد جدية هذه القرارات رجح وجود ترتيبات جرت بين صنعاء وعدن عبر طرف ثالث في ما يتعلق بإدخال العملة الكبيرة الى التداول في صنعاء، وفي هذه الحالة سيتوحد سعر صرف الدولار والريال السعودي في صنعاء وعدن وقد لا يتوحد مباشرة ولكن بعد انقضاء فترة محدودة او قصيرة.

 

وأوضح أن "الاحتمال قد يُبنى تحقيقه على خلفية أن العملة القديمة المتداولة في صنعاء أصبحت تالفة أو منتهية الصلاحية، واعتقد أن هناك موانع دولية تردع الحوثي عن إصدار عملة خاصة بصنعاء مستقلة عن الريال في عدن، أو لعل الحوثي لا يريد التصرف على ذلك النحو لدواعٍ سياسية، وعلى ذلك تفرض الضرورة على صنعاء الاستجابة لتقبل العملة الكبيرة المزمع إصدارها من مركزي عدن".

 

وقال البنك المركزي في بيانه "إن معالجة التشوهات السعرية بالعملة الوطنية تأتي تنفيذاً لقرار مجلس إدارة البنك المركزي اليمني، بشأن معالجة حالة الانقسام في السوق الاقتصادية، والتشوهات التي أحدثها اختلاف سعر صرف العملة المحلية في الفئة الواحدة في المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة الشرعية والأخرى خارجها، ووفقاً لما أكده نائب محافظ البنك أخيراً من توجهات وحتمية المعالجات بهذا الشأن، ووفقاً لما يقتضيه القانون وتعزيزاً للتوجه العام الرافض للعبث بواحد من أهم رموز وحدة السوق وواحدية قيمتها، وانطلاقاً مما منحه حصرياً قانون البنك المركزي رقم 14 لعام 2000، من سلطة إصدار للعملة اليمنية بمختلف فئاتها، وتحديد شكلها وقيمتها وبالتشاور مع حكومته الشرعية، وبعد مراجعة الأسباب التي أدت إلى هذا الانقسام والتشوه، واستعراض عدد من الحلول والمعالجات المقترحة لإنهاء حالة التشوهات السعرية للعملة المحلية".

 

وأكد البنك، أن كل الأوراق النقدية من العملة الوطنية بكل فئاتها المصدرة والمتداولة استناداً إلى قانون البنك المركزي اليمني تعتبر عمله قانونية ملزمة بحسب قيمتها كوسيلة دفع في كل التعاملات الداخلية في الجمهورية اليمنية، مشيراً الى أنه سيظل مستمراً في تشديد إجراءاته في الرقابة على نشاط سوق صرف النقد، وفرض الانضباط في أدائه، وذلك لأغراض الدفاع عن قيمة العملة الوطنية ووقف تدهورها.

 

وأوضح البنك، أن هذا الإجراء لا يعتبر حلاً لأزمة تراجع قيمة العملة المحلية، ولكنه يشكل جزءاً هاماً ضمن حزمة إجراءات سيتخذها في إطار خطواته لمعالجة هذه الأزمة، معتبراً هذا الإجراء مقدمة ضرورية باتجاه تنفيذ الإصلاحات في المنظومة المصرفية. 

 

ويرى الصحافي المصرفي ماجد الداعري ان تأثير هذه القرارات سلبي لأنها طُبعت من دون غطاء نقدي والسوق متشبع بأكبر كتلة نقدية معطلة في دورتها المالية ولا اعتقد أن الصرف سيتغير لعدم وجود حلول أو مصادر دخل للعملة أو احتياطي نقدي لدى مركزي الشرعية في عدن في ظل استمرار الحرب وتداعياتها على مختلف مناحي الحياة وتعطل الصادرات النفطية والغازية وغياب المنح والمساعدات والودائع المصرفية.

 

وبالنسبة لتوحيد العملة، رأى ان "الاحتمالات ممكنة الى حد ما، بعد إعلان الحوثيين عدم التعامل بهذه العملة ذات الحجم الكبير واعتبارها مزورة ومن الصعوبة إدخالها الي مناطق سيطرتهم لأنها ستعرف من طبعتها الجديدة. ولا أعتقد أن الفارق في التحويل سيتغير في المدى القريب".

 

ويظل المواطن اليمني أكان ممن يقطنون في المحافظات الخاضعة للحكومة الشرعة أو تلك التي ترزح تحت حكم المليشيات الحوثية ينتظر القرارات البنكية المخلصة من هموم وأعباء التحويل وانقسام العملة المحلية الذي القى بظلاله على حياة اليمنيين عموماً بشكل مباشر.