عاد المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ من العاصمة السعودية الرياض إلى واشنطن بعد أن أنهى أحدث رحلاته بـ«أفق مسدود» للأزمة اليمنية التي كانت الإدارة الأميركية الحالية وضعتها على قائمة أولوياتها، إذ لا تزال الميليشيات الحوثية ترفض مساعي السلام وتصعد عسكريا وتعمل على تثبيت أركان انقلابها على شتى الأصعدة.
وفي الوقت الذي يكتفي فيه المبعوث الأميركي في كل تحركاته في المنطقة أو تصريحاته بالعزف على وتر تكثيف المساعدات الإنسانية، وبإبداء القلق من عدم استجابة الحوثيين لوقف القتال، يستبعد مراقبون أن تكون الجماعة الحوثية على استعداد للدخول في أي مشاورات سياسية لجهة غياب أي ضغط حقيقي على قادتها سواء من قبل المجتمع الدولي أو من قبل واشنطن التي كانت رأت مع صعود الإدارة الجديدة أن تزيل الجماعة من على قوائم الإرهاب.
وكان ليندركينغ التقى في الرياض بكبار المسؤولين في الحكومتين اليمنية والسعودية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية والمجتمع الدولي ومكتب المبعوث الأممي الخاص، بحسب ما جاء في بيان للخارجية الأميركية.
وذكر البيان أن المبعوث «دعا في خلال هذه الرحلة إلى إنهاء القتال في مأرب ومختلف أنحاء اليمن، والذي أدى إلى زيادة معاناة الشعب اليمني. وأعرب عن قلقه من استمرار الحوثيين في رفض المشاركة في وقف إطلاق النار والمحادثات السياسية بشكل هادف، وشدد على أنه لا يمكن عكس الأزمة الإنسانية الأليمة في البلاد إلا من خلال اتفاق دائم بين الأطراف اليمنية».
وبخصوص التوتر القائم بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، قال البيان إن ليندركينغ «دعا خلال اجتماعاته الطرفين للعمل معا لتحسين الخدمات واستقرار الاقتصاد في البلاد. إذ تتمثل الخطوة الأولى الحاسمة في ضمان توافر الظروف اللازمة لعودة مجلس الوزراء إلى عدن. كما ناقش أيضا الإجراءات الفورية التي يجب اتخاذها لتخفيف الأزمة الإنسانية والاقتصادية، بما في ذلك زيادة واردات الوقود وإنهاء التلاعب بالوقود والأسعار وتخصيص مساعدات اقتصادية وإنسانية إضافية للبلاد».
في السياق نفسه قالت الخارجية الأميركية في تغريدة على «تويتر» تعقيبا على نتائج زيارة ليندركينغ إن «السلام والتعافي لا يمكن تحقيقهما إلا إذا التزم الحوثيون بشكل نهائي بالمشاركة الهادفة في محادثات السلام كما فعلت الأطراف الأخرى». كما شددت على أنه «حان الوقت الآن للتوقف عن عرقلة التقدم بشأن مستقبل اليمن».
وكانت المصادر الرسمية اليمنية ذكرت أن رئيس الحكومة معين عبد الملك ناقش مع المبعوث الأميركي «الموقف الدولي للتعامل مع تصعيد ميليشيا الحوثي الانقلابية وهجماتها المستمرة على المدنيين والنازحين في مأرب، ورفضها لكل مبادرات السلام».
ونقلت وكالة «سبأ» أن اللقاء تطرق «إلى أهمية أن تكون هناك عواقب وعقوبات لسلوك ميليشيا الحوثي واستمرار تأجيجها للصراع والتخادم القائم بين الحوثيين والتنظيمات الإرهابية، والتي تهدد الاستقرار والسلم الدولي، إضافة إلى الملف الاقتصادي والإنساني وأهمية تركيز المجتمع الدولي على دعم الاستقرار الاقتصادي وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية، ووضع خزان (صافر) واستمرار التعنت الحوثي في رفض وصول فريق أممي إلى الناقلة لصيانته وتفريغه، والتدخلات الإيرانية في اليمن والمنطقة».
وأشارت المصادر إلى وجود تطابق في وجهات النظر بين الحكومة الشرعية والأميركية «تجاه كثير من الملفات والقضايا، وخاصة حول ضرورة الوقف الفوري للتصعيد العسكري وتأجيج الصراع من قبل ميليشيا الحوثي في مختلف الجبهات، ووقف جرائمها ضد المدنيين والنازحين، واستهداف الأعيان المدنية في المملكة العربية السعودية، وأهمية الدعم الدولي للحكومة اليمنية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وإنهاء تلاعب الحوثيين بواردات الوقود وأسعاره».
كما نقلت أن عبد الملك أكد «أن شروط السلام ليست معقدة وإنما تتطلب امتثال ميليشيا الحوثي التي انقلبت بقوة السلاح على السلطة الشرعية للقرارات الدولية والإرادة الشعبية، وهو ما يتطلب مزيدا من الضغوط الدولية المؤثرة». وأنه أبلغ المبعوث الأميركي أن «ما تتطلع إليه الشرعية هو التعامل الحازم من المجتمع الدولي والأمم المتحدة، مع هذه الميليشيات».
وفي ظل هذا الجمود في مسار الأزمة اليمنية، لجهة مراهنة الحوثيين على كسب المزيد من الأرض عن طريق القتال، وعدم الالتفات إلى المساعي الأممية والدولية، إلى جانب عدم قدرة الشرعية نفسها على تحقيق أي تقدم حيوي سوى الاكتفاء بموقف المدافع، يرجح العديد من المراقبين أن أمد الأزمة التي تعيش عامها السابع سيستمر حاملا معه المزيد من معاناة اليمنيين.
هذه الحالة من الانسداد السياسي، ومراوحة المعارك ضد الانقلابيين في مكانها للسنة السابعة، إلى جانب الخلاف بين القوى المناوئة للانقلاب، دفعت الشارع السياسي والشعبي الموالي للحكومة إلى تكثيف الدعوات لإجراء إصلاحات جذرية في صفوف الشرعية يكون من شأنها القضاء على الانقلاب وإعادة الاستقرار إلى البلد الذي يعاني أوسع أزمة إنسانية في العالم.