يعيش المسافرون اليمنيون نحو المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي ساعات عصيبة جداً، واستنفارا نفسيا غير مسبوق عشية كل سفر.
ولا يسافر الكثيرون إلى مناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين إلا عندما يصبح السفر هو الخيار الوحيد، حينها تبدأ الاستعدادات والتأهب لرحلة الرعب قبل أيام من انطلاقها، وكأنها مغامرة نحو المجهول، حيث التدابير الاحترازية تبدأ من حذف معظم بيانات الهاتف المحمول وحتى كتابة وصية في حال الاعتقال.
وبعد مرور ستة أعوام من الانقلاب الحوثي، ما زال الكثير من اليمنيين في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية لديهم مصالح شخصية مختلفة في المناطق التي ما تزال خاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، ويعود السبب بشكل كبير إلى تركة النظام المركزي المتمثل في "صنعاء"، العاصمة المختطفة.
وتتعمد مليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً وضع العراقيل والصعوبات أمام حركة التنقل من وإلى المناطق الخاضعة لسيطرتها، حيث قامت المليشيا بإغلاق الطرق الرئيسية وتلغيمها وتحويلها إلى خطوط تماس، بالإضافة إلى تفجير الجسور وحفر الخنادق.
وأجبرت تلك الممارسات الحوثية المتنقلين إلى استخدام طرق بديلة، وهي بطبيعة الحال طرق وعرة وشاقة وطويلة ما تسبب في ارتفاع تكاليف السفر إلى أكثر من الضعف، وأصبح السفر من عدن إلى صنعاء (360 كم) يستغرق نحو 16 ساعة بعد أن كانت لا تتجاوز 5 ساعات.
ولا تستطيع شاحنات النقل الكبيرة عبور الطرقات البديلة لضيقها الشديد، ما يضطرها إلى الالتفات عبر طريق بعيد، وهو ما يؤدي إلى زيادة أسعار السلع للكلفة الباهظة للنقل، فضلا عن الجبايات ورسوم الجمارك الإضافية التي تفرضها مليشيا الحوثي بشكل غير قانوني.
وحتى الوقت الراهن لا تزال مليشيا الحوثي تفرض سيطرتها على 7 محافظات يمنية بشكل كلي، وأجزاء من 9 محافظات أخرى من بين 22 محافظة يمنية، ما تشكل نسبته 15% من مساحة اليمن، وفقاً لما أعلنته الحكومة المعترف بها دوليا في وقت سابق.
مغامرة مفجعة وبسبب ارتباط عدد من المؤسسات المالية اليمنية بنظام مركزي، اضطر "ناصر" للسفر من عدن إلى صنعاء لإجراء مطابقة في حسابات الشركة التي يعمل بها.
ومنذ اجتاحت مليشيا الحوثي العاصمة المؤقتة عدن في 2015، يحمل "ناصر الجعدني" ذكريات أليمة عن أيام الحصار والدمار الذي ساقه الحوثيون مع اجتياحهم للمدينة المسالمة، ولا تزال آثاره على المباني حتى اليوم.
يقول الجعدني لـ"العين الإخبارية"، إن قرار السفر كان مرعباً ولكن لا بد من القيام به، مضيفاً أنه ظل يعد للرحلة نحو أسبوع عانى فيه أياماً عصيبة من القلق والتوتر وحفظ النصائح، وكل هذا قبل أن تبدأ الرحلة أصلاً.
بدأت المشكلة مع الطبعة الجديدة من العملة المحلية والتي حظرها الحوثيون، حيث كان يتوجب على "ناصر" مصارفة أمواله بالعملة الصعبة ثم تحويلها إلى العملة المحلية بطبعتها القديمة في مناطق الحوثيين بناقص 40% من القيمة.
ويؤكد الجعدني أن تلك سرقة واضحة يمارسها الحوثي بحق ملايين اليمنيين بذريعة فارق الصرف.
وتزامن سفر "ناصر" مع إعلان مبادرة إنسانية مطلع نوفمبر الجاري تنص على فتح الطريق الأسفلتي الرابط بين محافظتي الضالع وإب الذي أغلقه الحوثيون قبل نحو عامين، إلا أن مليشيا الحوثي أجهضت المبادرة في لحظاتها الأولى بإطلاق النار على أول سيارة عبرت الطريق.
وكانت المبادرة، في حال نجاحها، ستوفر ساعات من السفر الشاق عبر طريق ترابي وسط وادي القبيطة حيث تصب سيول الأمطار ما قد يهدد حياة المسافرين في أية لحظة.
يعود الجعدني إلى سرد رحلته، معتبرا أن هذه المعاناة ليست سوى البداية، حيث ما تزال عشرات النقاط الأمنية الحوثية التي تبتز المسافرين القادمين من المناطق المحررة وتقوم بالتحقيق مع المسافرين بمعدل نصف ساعة في كل مرة.
يبدأ التحقيق، وفقاً لـ"ناصر"، بأسئلة متعلقة بأسباب السفر ثم توجيه اتهامات بالخيانة والعمالة وينتهي الأمر عادة بإخراج مبلغ مالي كرشوة، في حين يتعرض بعض المسافرين للاحتجاز وحتى الاعتقال بسبب صورة محفوظة في الهاتف المحمول.
الرحلة الأخيرة تشبه الطرقات الرملية قرب خطوط التماس بمحافظة الحديدة لعبة المتاهة كثيراً، لكن لا يوجد هنا مجال للخطأ، وأي خطوة خاطئة قد تكون قاتلة، فقد حولت مليشيا الحوثي المنطقة إلى حقل ألغام كبير.
بعد أن اعتقلت مليشيا الحوثي الشاب "ناجي سليمان" العامل في المجال الإنساني بالحديدة، قررت زوجته "رباب" السفر إلى صنعاء عبر متاهة الألغام لزيارة زوجها في معتقلات مليشيا الحوثي الذين أخفوا ناجي لعشرة أشهر قبل أن تعلم أسرته بمكانه.
على بعد كيلومترات قليلة من قريتها في وادي عرفان بمديرية الخوخة انفجر لغم حوثي بالسيارة التي كانت تقل "رباب" وأصابتها شظايا الانفجار بجروح خطيرة لكنها أصرت على مواصلة الطرق إلى صنعاء، حيث تدهورت حالتها الصحية بسبب رداءة الطريق.
في غضون أسبوع لفظت "رباب" أنفاسها الأخيرة في أحد مستشفيات صنعاء متأثرةً بإصابتها وقد يئست من أن يسمح لها الحوثيون بزيارة زوجها.
روى "ناجي" قصته لـ"العين الإخبارية" بعد خروجه من معتقلات مليشيا الحوثي من خلال صفقة تبادل الأسرى والمعتقلين بين الحكومة اليمنية ومليشيا الحوثي في أكتوبر الماضي.
يقول المعتقل المحرر إن هناك العديد مثل "رباب" يسقطون يومياً ضحايا المنافذ الحوثية الملغمة على امتداد مناطق التماس اليمنية.