قبائل حاشد وبكيل يجمعها اسم أكبر، هو همدان
وهمدان إحدى قبائل كبرى قحطانية يمانية يشكل من بقي منها باليمن أربعة أخماس الشعب اليمني تقريبا، وهي: همدان وحمير ومذحج وكندة.
بعث رسول الله– صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى همدان يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، ثم بعث علي بن أبي طالب، ومعه رسالة رسول الله إليهم، فلما قرأها عليهم أسلمت همدان جميعا، فكتب علي إلى رسول الله يبشره بإسلامهم ، فلما قرئت عليه خرّ عليه الصلاة والسلام ساجداً ثم رفع رأسه فقال : "السلام على همدان، السلام على همدان".
ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام .. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصل إليه وفد همدان: "نعم الحي همدان، ما أسرعها إلى النصر ، وأصبرها على الجهد ، وفيهم أبدال، وفيهم أوتاد الإسلام".
بعد حوالي ثلاثة قرون من الهجرة الشريفة ، وبعد انهيار الحكم الإسلامي الرشيد بسبب الانقلاب القرشي الأموي ثم العباسي استغل القرشي الهاشمي العلوي يحيى بن الحسين الرسي مكانة جده علي بن أبي طالب عند قبائل همدان ليستخدمهم في تأسيس دولة خاصة به تنتهج مذهب زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأساس هذا المذهب أن الحكم وصية من الله لآل الحسن والحسين.
لبّت همدان بشجاعتها وطيبتها التي تصل إلى درجة السذاجة الدعوة على أساس أنهم الأنصار، وأن آل الرسي الذي صار يعرف بالإمام الهادي وأقاربه الذين انتقلوا إلى اليمن هم المهاجرون... فانطلقت الدولة الزيدية من بلاد صعدة، ومن حينها صارت حاشد وبكيل تعرف باسم القبائل الزيدية.
لم تلبث ثنائية المهاجرين والأنصار كثيرا حتى تحولت إلى ثنائية مأساوية، وهي ثنائية: قناديل وزنابيل.
لقد عملت الهاشمية الزيدية على تجهيل قبائل همدان ثم تهميشهم، وسلب أموالهم. لم تحتكر السلطة التي زعموا أنها وصية من الله لهم فحسب، بل احتكرت العلم، وأبعدت همدان عن التعليم، وعن إدارة الشأن العام، وحصرتهم بوظيفتين لا غير: الزراعة والقتال في سبيل سلطة (وصي الله).
وأعطتهم -ليسكتوا عن هذه الدونية- رشوة اجتماعية، وهي رفعهم درجة عن سائر الشعب اليمني من المهنيين، ممن لا يشتغل بالزراعة والقتال، وجميعهم ممنوعون من التعليم شانهم شأن المقاتلين.
تاريخ الدولة الزيدية العنصري في اليمن الذي يمتد عبر اثني عشر قرنا شهد احتجاجات همدانية عديدة ضد ثنائية القنديل والزنبيل لتذكيرهم بثنائية المهاجرين والأنصار، ولكنها كلها قمعت بشدة، وآخر تلك الحركات الاحتجاجية كانت حركة الشيخ ناصر بن مبخوت الأحمر الذي لجأ ابنه ناصر مهزوما إلى دولة آل سعود في نجد، وقتلت الهاشمية الزيدية فيما بعد ابنه حسين وحفيده حميد، فيما كان حفيده عبدالله الذي صار من رموز الجمهورية رهينة عند الإمام.
لن ندخل في تفاصيل التاريخ الطويل، وسنقفز إلى التاريخ المعاصر الذي شهدت فيه قبائل حاشد وبكيل صراعا سعوديا هاشميا على جزيرة العرب.
آل سعود مع قبائلهم الوهابية الذين هزموا الشريف حسين الهاشمي الصوفي في الحجاز، والهاشمي الإدريسي في نجران وجيزان وعسير، كانوا يطمحون إلى السيطرة على كامل جزيرة العرب، وهزيمة الإمام يحيى الهاشمي الزيدي في صنعاء.
يبدو أن آل سعود كانوا يحسدون الإمام يحيى على قبائل حاشد وبكيل المطيعة التي تقاتل ولا تفكر، ولولا اتفاقية سايكس بيكو التي وضعت جزيرة العرب تحت النفوذ البريطاني لما وجد آل سعود الوهابيون حاجزا يصدهم عن طموحهم غير قبائل حاشد وبكيل الزيدية.
(الوهابيون والزيود ببعدهم الديني هم الذين اختارت بريطانيا مشاركتهم بدلا من الاستخواذ الكامل عليهم).
بعد حركات الشعوب العربية للتحرر من الاستعمار والاستبداد، وانتشار الثقافة الجمهورية، وبعد نجاح ثورة السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر التي كان في قيادتها عناصر مثقفة ثورية من همدان وحمير ومذحج وكندة ويمنيين من المهاجرين إلى اليمن عبر التاريخ انضمت قبائل حاشد وبكيل إلى الجمهورية ونصرتها شأنها شان جمهور الشعب اليمني. شكلت الجمهورية خطرا على سايكس بيكو والسعودية معا، ولولا الخطر السوفيتي الذي خرق سايكس بيكو في جنوب اليمن لما رضيت السعودية وأمريكا وبريطانيا بالجمهورية الوليدة في صنعاء.
لقد قبلوا بالجمهورية على مضض بعد هزيمة القومية العربية في نكسة حزيران، ولكن باستخدام مشايخ حاشد وبكيل لإفراغها من مضمونها.
لقد صار مشايخ حاشد وبكيل أعضاء في اللجنة الخاصة السعودية، يستلمون مرتباتهم بالريال السعودي، وكل شيخ يستلم على قدر نفوذه القبلي، قيل إن الرواتب تراوحت بين خمسة آلاف ومائة ألف من الريالات السعودية.
الهاشمية السياسية لم تستسلم بل ظلت تراقب الوضع عن كثب، وبدهاء منقطع النظير، وصبر وجلد ومكر كبار تمكنت من اختراق السياسة السعودية الأمريكية مع عائلة علي عبدالله صالح بعد الوحدة اليمنية.
لقد تمكنت بسبب هذه السياسة من بناء نفوذ قبلي في قبائلها التاريخية مكنها من خوض ستة حروب ضد الجمهورية المختطفة، وتمكنت من التغلغل في الحرس الجمهوري والمؤتمر الشعبي العام بغرض الاستخواذ عليهما، ثم ركبت موجة حركة الشعب اليمني سنة 2011م التي قامت لإنقاذ الجمهورية من السلطة العائلية، فاستغلتها لإعادة دولتها، وإرجاع من لا زال متسننا بعد الحروب الستة من قبائل حاشد وبكيل إلى الزيدية، ثم قتلت علي صالح، وسيطرت على الحرس الجمهوري الذي تشكلت نواته أصلا من العناصر الحاشدية والبكيلية غير المتسننة (الزيدية).
من لم يرض من قبائل حاشد وبكيل أن يعود لثنائية القنديل والزنبيل هو اليوم لاجئ في الرياض، نفس المدينة التي لجأ إليها ناصر بن ناصر بن مبخوت الأحمر، غير أن منهم من لجأ إلى أسطنبول التي كانت يوما ما عاصمة الخلافة العثمانية، وهي الخلافة التي اختلف الشيخ ناصر بن مبخوت الأحمر مع الإمام يحيى بسببها، إذ أنه وبصفته من الأنصار كان يرى في الخلافة العثمانية التي قاتلها بكل ما أوتي من قوة كان يرى فيها تبعا لاعتقاده أنها اعتداء على وصية الله لآل البيت، بينما كان الإمام يحيى وبعيدا عن المعتقد في ظرف صلح دعان يقيم علاقات جيدة معهم ويثني عليهم بالخلافة طمعا في تسليمهم المناطق التي تحت سيطرتهم له لتخوف الطرفين من الإنجليز، ولا يرى في الأنصار غير زنابيل لا شأن لهم باتخاذ القرار.
وبعد هذا كله فإن همدان ستدرك عاجلا أم آجلا أن المنهج الجمهوري في الحكم هو الأقرب لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سلم على همدان، وأخبرنا أن فيهم الأوتاد والبدلاء.