بقلم/د.عارف عبد
عاش سكان جنوب اليمن أسوأ معيشة لهم في تاريخهم أيام سيطرة الاستعمار البريطاني على عدن.
لا هي بمعيشة الناس قبل الثورة الصناعية، ولا بمعيشة الناس بعد الثورة الصناعية، ولا زال عالقا في ذاكرتي وصف كبار السن لحياتهم أيام الاستعمار.
تتبعت عددا لا بأس به من وثائق الأجداد منذ القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر.
وأنت تقرأ الوثائق تشعر أن معيشة الناس قبل دخول الاستعمار البريطاني أحسن بكثير من معيشتهم بعد دخوله، من الناحية الدينية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية.
قبل دخول الاستعمار تدل الوثائق على وجود أهل دين وفقه وعلى تراحم بين الناس، ومعاملة كريمة للمرأة والأيتام والضعفاء بحسب الشريعة الإسلامية.
بعد دخول الاستعمار تشعر أن الناس انتكسوا نحو جاهلية جهلاء من البؤس، والفقر والجهل والمرض، ومن شريعة الغاب الظالمة التي يقهر فيها القوي الضعيف.
تعزز ما شعرت به وأنا أقرأ هذه الأيام في سيرة المفكر عبدالوهاب المسيري عندما يتحدث عن الإمبريالية القذرة للحضارة الاستعمارية الغربية.
بسبب سياسة فرق تسد التي نهجها الاستعمار البريطاني كان الناس يتقاتلون دائما: الفخيذة تقاتل الفخيذة المجاورة، والقبيلة تقاتل القبيلة المجاورة، والسلطنة أو المشيخة تقاتل المشيخة المجاورة، وليس وراء ذلك إلا أن يهنأ الاستعمار في عدن بخيرات الموقع الاستراتيجي.
كانوا معزولين عن العالم تماما، ولم تسمح بريطانيا بوصول أي شيء من منتجات الحضارة الأوروبية غير البنادق والرصاص، فكلما اكتشفت أوروبا بندقية وجدت طريقها إلى البؤساء الذين يفتخرون بقتل بعضهم البعض.
لم يعترف الاستعمار البريطاني ببشرية سكان جنوب اليمن إلا بعد ظهور حركات التحرر الوطنية في خمسينيات القرن الماضي. ولم يكن ذلك من منطلق إنساني، فلا إنسانية للإمبرياليين، ولكن كان ذلك بسبب الخوف على مصالحها. توج نضال الشعب بثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة التي نجحت في طرد المستعمر.
المؤسف أن هذه الثورة العظيمة بدأت تتآكل، وبدأ الناس في جنوب اليمن يعودون إلى بصمتهم أيام الاستعمار البريطاني.
عارف عبد 13-6-2020