بقلم/د.عارف عبد الكلدي
الإمبريالية كلمة كنا قبل الوحدة نسمعها كل حين وفي كل مكان أيام دراستنا في المدرسة الموحدة والثانوية وفي حلقات التثقيف ووسائل الإعلام.
كانت دائما ترتبط بكلمة أخرى تلازمها، وكأنها ظلها، وهي الرجعية.
أغلبنا لم يكن يعرف ماذا تعني الإمبريالية، حتى سقطت منظومة الاتحاد السوفيتي والفلسفة الماركسية فصارت هذه الكلمة أضحوكة بسبب اقترانها بالرجعية، إذ ترسخت صورة لا شعورية عند الناس أن الإمبريالية مهزلة اشتراكية مثلها مثل مهزلة إطلاق مسمى الرجعية على الدين.
ولكن الواقع أن محاربة الإمبريالية وفضحها يعد من أفضل ما قدمته الفلسفة الماركسية للعالم، فانحراف الماركسية وخطورتها البالغة لا يعني أن كل ما كانت تنادي به باطل، وإلا لما خدع بها واتبعها كثير من الناس.
الإمبريالية باختصار هي جشع المستعمرين في استهلاك خيرات الأرض لصالح رفاهيتهم المبالغ فيها، فرفاهية سكان الدول الاستعمارية ليست من خيرات بلدانهم، ولكنها من خيرات أفريقيا وأمريكا اللاتينية وكثير من بلدان آسيا ومنها الوطن العربي التي يعاني سكانها الأمرين.
على سبيل المثال كان نصيب المواطن البريطاني الواحد من خيرات الهند المستعمرة البريطانية يعادل نصيب ألف هندي.
وكان نصيب سكان محميات بريطانيا من خيرات ميناء عدن ثاني أهم ميناء بالعالم يقرب من صفر%، ولو أعطي لهم 5% فقط من خيراته لعاشوا حياة الرفاهية.
هناك خطورة أخرى للإمبريالية بعد حركات التحرر، وهي تخريب الحياة في البلدان التي حاولت الانعتاق من الاستعمار وتحتوي على كميات من الثروات.
على سبيل المثال اليمن، يذكرون أن فيها ثروات هائلة في صحراء الجوف، ولها موقع جغرافي في غاية الأهمية، ولاسيما موقع مدينة عدن وجزيرة سقطرى المشرفان على باب المندب، ولهذا فإن الإمبريالية تحرص كل الحرص على إفشال أي دولة حقيقية تقوم في اليمن، وذلك بغرض العودة للسيطرة يوما ما على ثرواتها والاستخواذ على موقعها الجغرافي.
للإمبريالية ضرر آخر أكبر على الجميع بما فيهم أبناء وأحفاد الإمبرياليين أنفسهم، وهو استهلاك خيرات الأرض، وتلويث البيئة.
مثال بسيط يوضح هذا الضرر: كان عندنا وادٍ يقال له وادي دورمة مليئ بالمياه، لم ينزف قط منذ أن خلق الله الأرض، حتى ظهرت الآبار الارتوازية ومواطير شفط المياه، فصار كل من له متران من الأرض فيها يحفر بئرا، أو يؤجره على آخرين ليحفروا بئرا وتجد فوق كل بئر عشرات المواطير وكلها تسقي شجرة القات اللعينة، التي هي شجرة رفاهية وهمية، وتلوث البيئة بعوادم مواطير من يفكرون بعقلية الإمبرياليين.
لقد استنفدوا مياه دورمة، وحاليا صاروا أيام الشتاء يشترون بوزة الماء التي تجلب من وديان مجاورة بمبالغ مكلفة للغاية، وهكذا يفعل الإمبرياليون بالأرض.
المهم أن ما نعاني منه في اليمن من حروب ونكبات وراءها مسامير إمبريالية كبيرة تقف وراء المسامير الصغيرة التي نشاهدها أمامنا.
هل تذكرون مسرحية مسمار جحا التي كنا ندرسها في الثانوية: (يا رب المسمار انزع مسمارك، من دار الأحرار إذ ليست دارك).
مع ضغط الأحرار وإصرارهم على نزع حقوقهم انهار المسمار الصغير قائلا: (كلكم ترون المسمار الصغير، ولكنكم لا ترون المسمار الكبير). عارف عبد 17-6-2020م.