أول مرتب استلمته كان مرتب جندي في الجيش ٥٢ دينار أي ١٠٤٠ درهم ما يوازي ١٥٠ دولار ، وبعد خمسة أعوام ارتقى مرتبي إلى ١٨٠٠ درهم ما يعادله بالدولار ٢٥٠ دولار ، هذا قبل التوحد السياسي بين دولتي الجنوب والشمال .
وبعد رحلة طويلة حفلت بالصعود والهبوط استقرت ماهيتي قبل حرب ٢٠١٥ ، عند ٩٣ الف ريال ، ما يوازي مرتب عقيد في الجيش في ذاك الوقت ، اي ما يقارب ٤٥٠ دولار .
الان وبعد مدة نيفت الأربعة عقود ، وبدرجة وكيل مساعد ، الأولى ب ، أضحى مرتبي ١٣٧٧٠٠ ريال - بعد إضافة العلاوة السنوية مؤخرا - اي ما يعادل ٧٢ دولار ، علما أن الحد الأدنى للأجور كان في وقت ما لا يقل عن ١٠٠ دولار .
وإذا كان هذا معاش وكيل وزارة ، فلكم أن تتخيلوا متقاعد عسكري خدم في جيش اتحاد الجنوب العربي ، هو والرئيس هادي في سرية واحدة بالعند .. عائلة هذا المتقاعد تستلم ٢٨,٣٨٠ ريال ، أقل من ١٤ دولار .
ولكم أن تتخيلوا أن معلمًا برتبة عميد أو عقيد في الكلية العسكرية أو معهد لتأهيل قادة وأركان ، ويتقاضى مرتبًا شهريًا أقل من ربع ما يستلمه عسكري مستجد ؟ .
والأنكأ من ذلك أن يأتيك قادة كتائب والوية واركانات ، أقل واحد من هؤلاء يستلم ما يوازي مرتب عشرة عقداء أو تسعة عمداء ، فضلا عن أن القادة هؤلاء يأتون إلى المعهد بمصفحات مانعة للرصاص كلفة الواحدة تضاهي ٦٠ الف دولار ، ناهيك عن ترسانة الأسلحة والمركبات المرافقة . تسأل وبحسرة : كيف ستأتي الدولة والنظام ؟ وكيف ستحقق العدالة وكيف سيأتي الرخاء والأمان فيما الميزان شوكته منكوصة والعدالة منتهكة وبشكل فج وسافر ؟ .
وتزيد المأساة حين نعلم أن هؤلاء القادة الميامين لا يمتلكون أي مؤهل أو خبرة ، وأذكى الاذكياء فيهم من عرف قدر ذاته والتحق بكلية أو معهد كي يؤهل نفسه ولا يكون عالة على منصبه ومرؤوسية .
فمن أناس عاديين عاطلين عن العامل ولم يستن لهم إتمام تعليمهم الأساسي أو الثانوي إلى قادة ألوية وكتائب ، وبلا أدنى اعتبار لمؤهل أو أقدمية أو خبرة أو درجة . وكأنَّ ليلة القدر نزلت عليهم ، مانحة إياهم مكانة ودرجة ومال ولا في الأحلام ، فأقلهم حظوة يستلم شهريًا ٣٥٠٠ ريال سعودي .
نعم ، لا خدمة ولا شهادة ثانوية أو جامعية ولا كلية عسكرية ، والان يتقاضى ما يعادل ١٠٠٠ دولار شهريا ، فضلا عن نفقاته اليومية ، وقود ، وغذاء ، ومهمات ، ناهيك عن ملايين الريالات المستقطعة من مرتبات مرؤوسيهم ودونما مسوغ قانوني أو أخلاقي وووالخ .
أما التجنيد فيكفي العسكري المستجد استعارة سلاحه الشخصي من والده أو جاره ، اذا لم نقل شرائه من سوق السلاح ، فهذا السلاح كافيًا لالحاقك في الجندية نظير معاش شهري قدره ١٠٠٠ ريال سعودي ، أكثر من مرتب عقيد أو عميد ، فالعسكري المستجد يعادل مرتبه ٢٦٥ دولار بينما العقيد لا يتعدى ٩٠ دولار .
ويأتيك شخص مزايد يقول لك : لماذا أنتم متحاملون على زعطان أو فلتان ؟ ايش في يدهم ولم يفعلوه ؟ اصبروا ، وصابروا ، ورابطوا " . يا هذا ، الذي يده في الماء غير الذي يده بنار الحياة .
لا نطلب غير مساواتنا ، نحن من أبناء هذه البلاد ومن رعايا هؤلاء القادة ، فهل المساواة كلمة مستفزة ؟ وهل مساواتنا بجندي مستجد يتقاضى ألف ريال سعودي كثيرة يا قوم ؟ .
وعندما نتحدث عن الخلل الفظيع في المؤسسة العسكرية التي يفترض أنها واحدة ، فهذا لا يعني إغفال حقيقة أن هذه المظلومية مقتصرة على الجيش ، وإنما تشمل مؤسسات الدولة المدنية ، وربما بصورة أسوأ وأفظع .
وللتذكير .. كان قانون الأجور والمرتبات للعام ٢٠٠٥م سببًا في تأسيس الحراك الجنوبي ، كانت المطالبة بالمساواة ورفض التهميش والاقصاء سببًا جوهريًا لتدفق ذاك الغليان .
فلماذا الان المطالبة بالمساواة تسبب لكم الازعاج ؟ فلماذا لا تصغون لأحد ؟ ولماذا لا تفعلون شيئًا إزاء هذه الوضعية المختلة ؟! . وهل من العدل والانصاف أن يتقاضى جندي أو وضابط خمسة أو عشرة أضعاف ما يحصل عليه دكاترة الجامعة أو معلمو المدارس ،بل وأكثر من وزراء وسفراء ووكلاء ومدراء وموظفين أفنوا عمرهم في خدمة وطنهم والان معاشهم لا يفي بقيمة كيس دقيق وصفيحة زيت ؟! أعدلوا قبل قيامة القيامة عليكم ..
محمد علي محسن