زواج عابر للحدود.. يمنيات أمهات لأبناء بلا آباء

تقارير وحوارات
قبل ساعتين I الأخبار I تقارير وحوارات

العمانيون الأكثر استغلالا لظروف الأسر اليمنية وحاجتها

*الزواج من العُمانيين مشكلة اجتماعية تتفاقم بسبب الإغراء بالمال *المساوي: زواج الأجانب من يمنيات يتسبب في مشاكل قانونية كبيرة الزواج العابر للحدود.. هل هو فرصة أم فخ للفتيات اليمنيات؟

لا شك أن الزواج يمثل سنة الحياة، حيث يجمع بين شخصين لتكوين أسرة وفق عقد شرعي وإشهار. إلا أن ظاهرة جديدة بدأت تنتشر في محافظة لحج وغيرها من المحافظات، تتعلق بالزواج من الأجانب، وخاصة العمانيين. ورغم أن هذه الزيجات قد تبدو شرعية في ظاهرها، إلا أنها تسفر عن مآسٍ اجتماعية وحالات طلاق بعد فترات قصيرة من الزواج.

 

تحولت ظاهرة الزواج من العمانيين إلى تجارة، حيث تسعى الوسيطات أو الخاطبات لجذب الفتيات عبر تقديم أموال لعائلاتهن، ثم استكمال إجراءات العقد والسفر إلى بلاد المجهول. تواجه الفتيات واقعًا مريرًا عند وصولهن، إذ يجدن أن ما شاهدنه في الصور التي عرضتها الخاطبة يختلف تمامًا عن الحقيقة.

 

تجد هذه الفتيات أنفسهن في مواقف لا حول لهن فيها ولا قوة، نتيجة غياب الإجراءات القانونية اللازمة من قبل الجهات المختصة لحماية حقوقهن في بلاد الغربة. هذه الظروف تثير القلق حول مستقبل الفتيات وحقوقهن، وتستدعي تدخلاً عاجلاً لضمان سلامتهن ورفاههن.

ظاهرة غير صحية

يشير الشخصية الاجتماعية عارف أحمد محسن إلى أن الزواج من الأجانب يمثل ظاهرة غير صحية، تفتقر إلى أي ضمانات قانونية، ويعتبر زواجًا غير شرعي بحسب قوله، بسبب عدم وجود ضامن وضمين. يوضح محسن أن الخاطبات يقمن بتزويج الفتيات أو النساء مقابل حفنة من المال لرجل أجنبي، مما يدفعهن للسفر خارج البلاد، لتعود بعضهن بعد فترة وجيزة إلى منزل أهلهن مصحوبات بأطفال.

 

ويضيف محسن أن هذه الأطفال يصبحون مجهولي النسب، إذ لا يُعرف من هو والدهم بسبب جنسيته الأجنبية، مما يسبب إشكاليات عند استخراج شهادات الميلاد، ويزيد من عدد النساء المطلقات.

يدعو محسن الآباء وأولياء الأمور إلى توخي الحذر والوعي في التعامل مع هذه الظاهرة، مؤكدًا أنه ليس كل أجنبي يُعطى الحق في الزواج بحفنة من المال عبر الخاطبات دون وجود ضمانات قانونية. كما يشدد على ضرورة أن يتبنى الأمناء الشرعيون إجراءات صارمة، وأن لا يقوموا بإجراء عقود الزواج إلا بعد استيفاء كافة الإجراءات القانونية، محذرًا من خطورة رمي الفتيات في براثن التهلكة.

عمولة كبيرة

أفادت أفراح الحاج، مسؤولة في اتحاد نساء اليمن بلحج، بأن الزواج من الأجانب قد أصبح ظاهرة متزايدة في الآونة الأخيرة، ولها أسباب متعددة. من بين هذه الأسباب، تعاني العديد من النساء، مثل الأرامل اللاتي يواجهن صعوبة في الحصول على نفقة لأبنائهن، بالإضافة إلى انتشار الفقر. كما يشير الحاج إلى العدد الكبير من الخاطبات اللاتي يجلبن الأزواج الأجانب، واللاتي يحصلن على مبالغ مالية كبيرة كعمولات من هذه الزيجات، مما يدفعهن للعمل بجدية لإنجاح هذه الزيجات.

 

توضح الحاج أن الزواج من الأجانب له تأثيرات اجتماعية سلبية، إذ غالبًا ما يحدث عدم توافق بين الزوجين، مما يؤدي إلى عودة الفتاة إلى منزل عائلتها إما بدون أطفال أو وهي محطمة نفسيًا بسبب تجربتها. وتؤكد أن مهمة الخاطبات تقتصر على إجراء العقود وتسليم الفتاة إلى الزوج الأجنبي، مما يجعلهن يتحملن جزءًا من المسؤولية عن النتائج السلبية لهذه الزيجات.

 

تشير الحاج إلى أن المشاكل الناتجة عن هذه الزيجات أصبحت واضحة، حيث تتوجه العديد من النساء المتزوجات من أجانب إلى فرع اتحاد النساء في مدينة الحوطة لتقديم شكاوى، مع تساؤلات عن كيفية التصرف أو تقديم دعاوى قضائية. وتوجه الحاج نصيحة للآباء والأمهات بأن يحافظوا على بناتهم بعدم الزواج من الأغراب، نظرًا للمتاعب العديدة التي قد تواجهها الفتاة، والتي قد تترك آثارًا نفسية عميقة.

 

في ختام حديثها، تطالب الحاج بتدخل عاجل من وزارة الداخلية والخارجية للحد من هذه الظاهرة، وذلك لحماية النساء وضمان سلامتهن في ظل الظروف الصعبة التي يواجهنها.

 

تدخل كشغالة

تكشف استقلال فرج، ناشطة اجتماعية، أن الفتيات اللاتي يتزوجن من عمانيين يدخلن إلى الدولة تحت مسمى "شغالة" بدلاً من "زوجة"، مما يسهم في زيادة حالات الطلاق بينهن. تبيّن فرج أن الخاطبات يلعبن دورًا محوريًا في هذا النوع من الزواج، حيث يُقدمن صورة الزوج للفتاة، وعندما توافق الأخيرة، تُعرض على الزواج.

 

ومع ذلك، تتعرض الكثير من الفتيات لمفاجآت غير سارة عند وصولهن إلى بلد الزوج، إذ يكتشفن أن الصورة التي عرضتها الخاطبة تختلف تمامًا عن الواقع، ليجدن أنفسهن أمام شخص آخر. نادرًا ما تتطابق ملامح الزوج الذي رأته الفتاة في الصورة مع الواقع، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلات الزوجية. وقد أظهرت الإحصائيات أن هناك فتيات مطلقات في عمان غير قادرات على العودة إلى وطنهن.

 

توضح فرج أن الخاطبة أو الوسيطة تتحصل على مبالغ مالية كبيرة من هذه الزيجات، حيث تصل النسبة إلى 70 % من مبلغ الزواج المدفوع لأسرة الفتاة. هذه العوائد المالية تعزز من عمل الخاطبات وتدفعهن لتسريع إجراءات الزواج دون مراعاة للحقوق القانونية والاجتماعية للفتاة.

 

وبهذا، تبرز استقلال فرج الحاجة الملحة إلى وعي أكبر بين الآباء والفتيات حول المخاطر المحيطة بالزواج من الأجانب، ودعوة لتفعيل القوانين التي تحمي حقوق النساء في مثل هذه الحالات.

حفنة من المال

أكد الشيخ عبدالجليل عواس، مدير إدارة الوعظ والإرشاد بأوقاف لحج، أن الزواج من الأجانب، وبخاصة العمانيين، قد يبدو شرعياً، لكن هذا لا يعفي الآباء من مسؤوليتهم تجاه بناتهم. وقال: "كيف يمكن للإنسان أن يرمي فلذة كبده، التي رباها لمدة 18 عاماً، إلى المجهول، ليعودوا بعد فترة مطلقات؟".

وأضاف عواس أن ظاهرة الزواج بالعمانيين قد انتشرت بشكل ملحوظ، وقد سمع الجميع عن المآسي التي تعقب هذه الزيجات. وأشار إلى أن الفتيات يسافرن وحدهن إلى الحدود للقاء أزواجهن، دون معرفة سابقة بسيرتهم أو أخلاقهم.

 

وشدد عواس على أن بعض الآباء يتساهلون في تزويج بناتهم مقابل حفنة من المال، وهو ما يعتبر تصرفًا غير مسؤول. واعتبر أن ما يحدث من جراء هذا الزواج يعد أمورًا منكرة، تستوجب وقفة جادة من المجتمع.

 

ودعا الآباء إلى عدم منح بناتهم إلا لمن يعرف حقهن، وليس لمن يقدم المال فقط. وذكر أن من يشتري الفتاة بهذه الطريقة قد يجعلها مستعبدة، وقد تتعرض لمخاطر عديدة، بما في ذلك استغلالها في الدعارة، خاصة إذا كانت بكرًا وليس لها قوة أو نصير في بلد غريب.

 

وختم عواس بدعوة أولياء الأمور للحفاظ على بناتهم، وعدم دفعهن نحو المجهول، محذرًا من العواقب الوخيمة التي قد تترتب على هذه الزيجات.

أسس قانونية أفادت القاضي ذكريات المساوي، رئيس محكمة الحوطة الابتدائية، بانتشار ظاهرة زواج الأجانب من يمنيات، مما يؤدي إلى إنشاء زيجات غير قانونية. وأشارت إلى أن هذه الظاهرة تساهم في زيادة القضايا والمشاكل المعروضة في المحاكم، نظرًا لعدم حصول هذه الزيجات على موافقة وزارة الداخلية ووزارة العدل.

وأوضحت القاضية وجود مكاتب سمسرة خاصة تقوم بإجراء زواجات بطريقة غير شرعية وغير موثقة، وكأنها تجارة، مما يفتقر إلى الأسس القانونية اللازمة لبناء أسرة. وهذا النوع من الزواج تسبب في العديد من المشاكل القانونية، حيث تبطل عقود الزواج أحيانًا أمام المحكمة أو بعد إتمام الزواج.

ووجهت القاضية ذكريات نصيحة للآباء بضرورة توخي الحذر وعدم بيع بناتهم في مثل هذه الزيجات. وشددت على أهمية التدقيق في الإجراءات القانونية عند الزواج من شخص أجنبي، حيث ينبغي أن يتم الزواج بموافقة وزارتي الداخلية والعدل، وتوثيقه بشكل صحيح. وأكدت أن ذلك سيساعد في ضمان حقوق الفتاة الزوجية في الدولة التي ستذهب إليها.

تحرك حكومي

أصدرت الحكومة توجيهات عاجلة بوقف جميع إجراءات زواج اليمنيات من العمانيين، وذلك في أعقاب تزايد الحالات التي كشفت عن معاناة شديدة للفتيات اليمنيات بعد الزواج من مواطنين عمانيين.

 

ووجهت التعليمات إلى كافة الجهات المعنية، بما في ذلك وزارة الداخلية والهجرة والجوازات والأمن القومي، بضرورة وقف أي إجراءات تتعلق بزواج العمانيين من اليمنيات بشكل فوري. تأتي هذه الخطوة في إطار حماية حقوق الفتيات اليمنيات وضمان سلامتهن في ظل الظروف الحالية.

 

شهدت ظاهرة زواج اليمنيات من أجانب، وخاصة العمانيين، تصاعدًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، مما أفضى إلى نتائج اجتماعية ونفسية معقدة. يعود هذا الزواج، الذي يُنظر إليه في كثير من الأحيان على أنه سعي نحو تحسين الظروف المعيشية أو الهروب من الضغوط الاجتماعية، إلى عدة عوامل اقتصادية واجتماعية. فقد عانت العديد من الأسر اليمنية من الفقر المدقع نتيجة الأزمات المستمرة، مما جعل بعض الفتيات يقبلن الزواج من أجانب كوسيلة للخروج من وضعهن الصعب. ولكن هذا الخيار غالبًا ما يترافق مع مخاطر كبيرة.

 

تسجل العديد من حالات الزواج من الأجانب، بما في ذلك العمانيين، نتائج مؤلمة. فالكثير من الفتيات ينخرطن في زواج بدون معرفة كافية عن الزوج أو ثقافته، مما يؤدي إلى وقوعهن في فخ الاستغلال. عادةً ما تتم هذه الزيجات عبر وسطاء أو "خاطبات" يحصلن على عمولات كبيرة من العائلات. وفي بعض الحالات، يُستخدم الزواج كوسيلة للهروب من الضغوط الاجتماعية أو العائلية، مما يسبب مشكلات لاحقة في التكيف مع الحياة الزوجية.

 

تتعدد الآثار النفسية الناتجة عن هذه الزيجات. كثيرًا ما تعود الفتيات بعد فترة قصيرة من الزواج إلى منازلهن، في حالة من الاكتئاب والفشل، مع أطفال غير معترف بهم. تعاني العديد من هؤلاء الفتيات من حالات نفسية نتيجة لتجاربهن، بما في ذلك الشعور بالخذلان، والفشل، وانعدام الهوية. كما أن الأطفال الناتجين عن هذه الزيجات غالبًا ما يُعتبرون "مجهولي النسب"، مما يعقد الأمور أكثر بالنسبة للأمهات.

 

تدرك السلطات في اليمن أن هذه الظاهرة تتطلب تدخلًا عاجلًا. فقد بدأت الحكومة في اتخاذ خطوات جادة لوقف إجراءات الزواج من الأجانب، وخاصة العمانيين، في محاولة لحماية الفتيات اليمنيات. وقد أصدرت توجيهات بوقف جميع الإجراءات المتعلقة بهذه الزيجات، وشددت على أهمية توعية الأسر بخطورة هذا النوع من الزواج.

 

إن زواج اليمنيات من العمانيين والأجانب ليس مجرد قضية اجتماعية، بل هو قضية معقدة تمس جوانب متعددة من الحياة الاجتماعية والنفسية والقانونية. إن الحاجة إلى مزيد من التوعية والتشريعات الصارمة ضرورية لحماية الفتيات ومنع استغلالهن، وبالتالي تعزيز استقرار الأسر والمجتمعات في اليمن.