د.عارف عبد. الكلدي
د.عارف عبد. الكلدي

ظاهرة الأقيال العباهلة ما لها وما عليها

وفق قانون: (لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه) ظهرت في الآونة الأخيرة في اليمن ظاهرة أو حركة يقال لها (الأقيال العباهلة) وهي عبارة عن ردة فعل ضد الحركة الحوثية العنصرية المستعلية، وفي هذا المقال محاولة لتسليط الضوء عليها. 

التسمية: ترجع هذه التسمية إلى كتاب أرسله رسول الله صلى الله عليه مطلعه: من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة من أهل حضرموت... إلخ الكتاب. 

وتعني في هذا السياق الملوك والسادة وأهل الحل والعقد وممثلي الناس،  وقد تميز اليمنيون من زمن بعيد بأن أمرهم شورى بينهم،  وأن الملوك لا يستبدون بالأمر،  ولا يقطعون بالأمور الاستراتيجية والمحلية إلا عبر منظومة حكم شوروية. 

غير أن لهذه التسمية ولا سيما العباهلة مرجع ثانٍ، وهو أن المتنبي الكذاب المرتد عن الإسلام المشهور بالأسود العنسي كان اسمه عبهلة بن كعب بن غوث. 

ولهذا فقد يظن البعض أن تسمية العباهلة نسبة إلى عبهلة هذا. 

وهذا الخلاف في مرجع التسمية له أثره في فهم جوهر هذه الظاهرة. 

مفهوم هذه الظاهرة:

بسبب العنصرية المقيتة التي تتبناها الحركة الحوثية والتي تزعم أن الله وصّى بالحكم لبني الحسن والحسين من الهاشميين،  وأنهم سادة خلقة وطبيعة،  وأن اليمنيين ليسوا إلا تابعين لهم،  ومجرد زنابيل يحملون قضية إمامة البطنين. 

وبسبب أن الجمهورية وعلى مدى خمسين عاما قد صنعت أجيالا من الأحرار المتسلحين بالوعي والشعور بالكرامة فإنهم لم يتقبلوا  هذه العنصرية وهذا الاستعلاء، وهذا الكهنوت،  فظهرت هذه الظاهرة في سياق مقاومة الشعب اليمني للنظرية الحوثية العنصرية في الدين والسياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة وسائر ضروب الحياة. 

غير أن هذه الظاهرة الإيجابية والسنة الطبيعية في التدافع قد ينفخ فيها شياطين الجن والإنس فتتحول إلى حركة جاهلية تفتت نسيج المجتمع اليمني وتتنكر لدينه وتاريخه الإسلامي المجيد ولغته العربية،  وتزيد من اشتعال نار الفتنة الخطيرة التي زرعها الحوثيون ويتحملون مسؤوليتها الأولى، والتي تخدم الاستعمار والصهيونية الساعين إلى تفتيت اليمن وجزيرة العرب والوطن العربي والعالم الإسلامي عموما بنعرات جاهلية مقيتة. 

سنسلط الضوء على ثلاث قضايا خطيرة يجب أن يتنبه لخطورتها (الأقيال العباهلة)،  وهي:

1- الموقف من الإسلام:

أجزم أن الغالبية العظمى ممن يشكلون هذه الظاهرة يسكن الإسلام في عمق أعماق وجدانهم،  فالإسلام لليمنيين هو ذاتهم التي لا يجدون لها معنى بغيره. فهم الذين دخلوا فيه طواعية. هم أهل الإيمان والحكمة،  الأرق قلوبا،  والألين أفئدة،  ومدد الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها. 

أجزم أن منطلق غالبيتهم في مقاومة الحوثية إسلامي لاغبار عليه،  ينطلق من مبدأ قوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) وقوله سبحانه: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم لآدم،  وآدم من تراب،  لا فضل لعربي على عجمي،  ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى... ).

غير أن بعض من ينتمي إليها يؤججها من منطلق إلحادي جاهلي،  وهو المنطلق الذي تبنته الماركسية قديما،  ويشجعه الاستعمار حديثا كما شجعه من قبل،  يرى في هذه الحركة امتدادا لحركة الردة التي قادها أبو الأسود العنسي عبهلة بن كعب بن غوث. 

2- الموقف من اللغة العربية الفصحى:

قبل الحديث عن موقف القليل ممن ينتمي إلى ظاهرة الأقيال العباهلة من اللغة العربية الفصحى لابد من تقرير أن  كلمة الباحثين في تاريخ اللغات الجزرية (اللغات السامية) تكاد تجمع على أن موطن اللغة العربية الأول هو جنوب غرب الجزيرة العربية (اليمن)،  ومن هناك انطلقت الشعوب العربية لتسكن في أنحاء الجزيرة والعراق والشام والحبشة. 

لكن اليمنيين وبسبب موقعهم الجغرافي على طرق التجارة الذي جعلهم يختلطون بالعجم تغيرت لغتهم الفصحى إلى لهجات منبثقة عنها يقال لها (العربية الجنوبية)  شأنهم شأن العرب الذين هاجروا إلى العراق والشام فتغيرت لغتهم العربية الأم إلى لهجات متفرعة عنها في تلك الأنحاء كالبابلية والآشورية والآرامية والسريانية والعبرية... إلخ،  والتي أطلق عليها المستشرقون بداية البحث اللغوي التاريخي مسمى اللغات السامية، غير أن الباحثين المعاصرين يفضلون تسميتها باللغات أو اللهجات الجزرية نسبة إلى جزيرة العرب التي انبثقت منها. 

عندما بعث الله سبحانه رسوله العربي محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن الكريم باللغة العربية الأم التي حفظها في عمق صحراء جزيرة العرب دخل اليمنيون في دين الله أفواجا منشرحة صدورهم بدين الفطرة، فعادوا إلى لغتهم الأم التي فقدوها مع الزمن كما عاد العرب من سكان العراق والشام إليها. 

وليس عندنا شك أن أغلب من يشكّلون ظاهرة الأقيال العباهلة يحبون اللغة العربية ويرون فيها هويتهم وذاتهم. 

غير أن بعض المنتسبين إليها من بعض اليساريين زاد عندهم عيار الجاهلية فبدأوا يدعون إلى إحياء العربية الجنوبية، جاهلين أو متجاهلين أن اليمن موطن العربية الأم،  وأن ما يسمى بالعربية الجنوبية ليست إلا مجموعة لهجات عربية وليست لهجة واحدة. 

وليس عند الكاتب من شك بحكم تخصصه اللغوي،  واطلاعه على قضايا اللغة العربية المعاصرة أن وراء محاربة اللغة الفصحى أطماعا استعمارية صهيونية تستهدف اللغة العربية كعنصر وحدة وعنصر مقاومة لمشاريعهم الاستعمارية التفتيتية. 

3- الموقف من الهاشميين:

بنو هاشم هم البيت الذي ينتمي إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم،  واليمنيون شأنهم شأن كل المسلمين يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما يحبون آباءهم وأمهاتهم وأبناءهم. 

ويحبون آل بيته تبعا لمحبته، بشرط التزامهم بمبادئ الإسلام الكبرى،  وأهمها مبدأ (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ولا فضل لهاشمي على قحطاني إلا بالتقوى، مع ملاحظة حق النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بيته، وعلى هذا المبدأ سار اليمنيون، وأخذت قبيلة بني هاشم موقعها في المجتمع اليمني كواحدة من بيوتات المجتمع معززة مكرمة. 

لكن بعض الهاشميين في اليمن وبالتحديد الهاشميين الشيعة الزيدية ومنهم الجارودية نهجوا منهجا عنصريا مبتدعا في الدين ينافي مبادئ الإسلام الكبرى،  وينافي سنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام،  ومناهج صحابته الكرام، وطريقة علي بن أبي طالب رضي الله عنه،  فأحدثوا شرخا غائرا بينهم وبين الشعب اليمني،  ولشعورهم بهذا الشرخ الغائر حاولوا تغطيته بتجهيل الشعب وإفقاره والتلبيس عليه. 

غير أن الجمهورية وفكرها التحرري أحدثت عند الشعب وعيا جميلا بالإسلام الصحيح والحقوق والحريات ،  فلم يعودوا يتقبلون فكرة العنصرية والكهنوت السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والنفسي. 

ولما كانت الحوثية تحاول بعث نفسها في زمن الوعي فقد كانت ردة الفعل عنيفة عند الشعب اليمني،  ومنها نجمت ظاهرة الأقيال العباهلة. 

وعلى الرغم من الأمل الكبير في انضباط شباب هذه الحركة بالضوابط الشرعية والأخلاقية ألا أن بعض المنتسبين إليها زادت عندهم ردات الفعل بصور متفاوتة. 

 فمنهم من خرج إلى بدعة الناصبية المقيتة التي ظهرت أيام بني أمية.  ومنهم من خرج إلى الإلحاد واليسارية المتطرفة المراقَبة (بفتح القاف)جيدا من الاستعمار والصهيونية، والمشجَّعة (بفتح الجيم) منهما. 

المسؤولية في هذا الشرخ الاجتماعي الخطير يتحملها الحوثيون بدرجة أساسية،  وهنا يجب وجوبا عينيا مؤكدا على عقلاء بني هاشم أن يقوموا بواجبهم تجاه العنصريين من قبيلتهم التي تكويهم نارها قبل غيرهم.  .  الأطباء الماهرون لا يعالجون العرض ولكنهم يعالجون السبب،  فإذا ظهرت أمراض جاهلية عند بعض اليمنيين فعلاجها الأساسي بمعالجة السبب، وهو العنصرية التي أججتها الحركة الحوثية،  مع ضرورة ضبط الميزان في ردات الفعل. 

قلت ما قرأتم، واستغفر الله ولي ولكم.